من أصعب المواقف على الإنسان قبول النقد و الاعتراف بخطئه وتراجعه عن هذا الخطأ، وتصحيح ما يمكن تصحيحه، ومقام التراجع عن الخطأ مقام كبير لا يستطيعه إلا خواص القادة ممن استشعروا مسؤولياتهم ونصحوا في أعمالهم، وتغلبوا على ذواتهم.
تأكد هذا الأمر لدي وأنا أشاهد لقاء حوارياً عبر أحدى القنوات الفضائية مع مسؤول كبير في مؤسسة تعليمية نسائية وهو ينفي ما ذكره أحد الصحفيين المشاركين بهذا اللقاء الحواري من وجود محسوبيات وتجاوزات في عمليات التعيين والنقل للمعلمات رغم تأكيد هذا الصحفي بوقوفه على تجاوزات من هذا النوع لمعلمات يحتفظ بأسمائهن ومدارسهن، وازداد نفي هذا المسؤول لوجود هذا الخلل رغم تأكيد متصلة تعمل معلمة بإحدى المدارس حدثت في مدرستها عمليات نقل لمعلمات من خلال المحسوبية والعلاقة والتي كادت أن تصرح بهذه الأسماء نتيجة النفي المتكرر لهذا المسؤول.
ثقافة النفي هذه يبدو أنها مرض مستشرٍ لدى الكثير من المسؤولين والذين تتم استضافتهم في برامج حوارية مباشرة حيث يؤكدون ويصرون على تأكيدهم بأن قولهم هو الصواب وقول غيرهم هو الخطأ رغم توفر الشواهد والإثباتات، بل ويصل الأمر يبعضهم إلى اتهام من يثير مثل هذه القضايا بأن له من وراء ذلك مقاصد أخرى ومصالح شخصية، أو تصفية لحسابات.
والحقيقة التي يجب أن يسلم بها الجميع أن الكمال لله سبحانه وتعالى، وأنه عزيز لا يمكن لأي مؤسسة مهما بلغت من الانضباط والدقة أن تصل إليه، وبالتالي فإن الخطأ والقصور وارد وممكن، وأنه ليس عيباً أن نخطئ إذا بذل السبب وتحقق النصح والاجتهاد.
وليس عيباً أن نعترف بالخطأ ونسعى لتصحيحه، ولكن العيب في المكابرة والإصرار على النفي لاعتقادنا أن هذا الاعتراف ربما يقلل من قيمتنا كمسؤولين أو كمؤسسات، ولو تمكن كل مسؤول من إزالة هذا الاعتقاد السلبي وتحويله إلى اعتقاد ايجابي بأن اعترافه بخطئه ووعده بإصلاح هذا الخطأ هو رفعة له وإعزازاً من قدره، وتعظيماً لثقة المسؤولين والجمهور فيه لتمكن كل مسؤول من الارتقاء بمستوى أدائه ورفع جودته بما يحقق المصلح العامة للمجتمع.