زكاة الفطر عبادة من العبادات التوقيفية، وقربة من القربات العظيمات، افترضها الله على عبادة وجعلها مرتبطة بالصوم تطهيراً لنفوسهم من الأدران، من الشح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتطهيراً لصيامهم مما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما ،وتكميلاً للأجر وتنمية للعمل الصالح ، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناء لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد.
ومع اقتراب نهاية شهر الصوم تبدأ الاستعدادات في الجمعيات الخيرية لاستقبال هذه الزكاة لتوصيلها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين، ونظراً لضخامة الكميات التي تصل إلى هذه الجمعيات وسعي هذه الجمعيات لتوزيعها في وقتها الشرعي قبل صلاة العيد، وحيث أن غالبية أفراد المجتمع يخرجون هذه الزكاة ليلة العيد مما يعني تراكم كميات كبيرة جدا في مستودعات هذه الجمعيات مع ضيق في الوقت وتزاحم في الأعمال فإن هذه الجمعيات سوف تجد نفسها أمام خيارين: الأول يتمثل في فشل القائمين على هذه الجمعيات في إخراج هذه الكميات الكبيرة من زكاة الفطر في وقتها قبيل صلاة العيد وهذا مما يلحق الإثم بهم ويفقد ثقة المتبرعين فيهم، أما الخيار الثاني فيتمثل في مسارعة القائمين على هذه الجمعيات لإخراج هذه الزكاة وإيصالها لمستحقيها قبيل صلاة العيد، وفي هذا الخيار تبرز إشكالية أخرى تتمثل في صعوبة بل واستحالة ذلك أمام ضيق الوقت وتسارعه وضخامة الكميات المطلوب توزيعها، مع ضعف إمكانيات هذه الجمعيات مما يعني الفوضوية في توزيعها مما قد يجعل هذه الزكاة تصل إلى غير مستحقيها.
وعلى افتراض توزيع هذه الكميات الكبيرة على مستحقيها في وقتها فإن هذه الشريحة من الفقراء وبسبب رغبتهم في الحصول على المال وقلة وعيهم ونظرتهم القصيرة للأمور، وحرصهم على توفير بعض الكماليات غير الضرورية يبادرون ببيع نصيبهم من زكاة الفطر – والذي يصل أحياناً إلى أكثر من عشرة أكياس من الأرز تكفي لإعالتهم عاماً كاملاً – بمبالغ زهيدة جداً تصل في كثير من الأحيان إلى ربع قيمتها الحقيقية، وبعد فترة زمنية وجيزة يعودن مرة أخرى لهذه الجمعيات طلبا لتزويدهم بالمواد الغذائية عامة والأرز خاصة، وهذا يمثل عبئاً كبيرا على ميزانية هذه الجمعيات حيث تصل المبالغ المخصصة لشراء الأرز أكثر من ستمائة ألف سنويا، ولأجل هذا الأمر كان لزاما على القائمين على هذه الجمعيات التفكير في آليات للتعامل مع هذه الثروة الكبيرة المتمثلة في زكاة الفطر بطريقة تضمن إخراجها في وقتها الشرعي وإفادة الفقراء منها طوال العام مما يغنيهم عن السؤال، ويخفف العبء على ميزانيات هذه الجمعيات، ومن المقترحات في هذا المجال وعلى سبيل المثال لا الحصر ما قامت به إحدى الجمعيات حيث طلبت من المسجلين بسجلاتها ممن هم مستحقون لزكاة الفطر أن يعينوا وكيلاً لهم يستلم جميع الكميات الواردة من زكاة الفطر من إدارة الجمعية قبل صلاة العيد وتخزن بأحد المستودعات ومن ثم يتم توزيعها شهريا على المستفيدين بإشراف هذا الوكيل مما يضمن وصولها إليهم وعدم التصرف بها بشكل لا مسؤول كبيعها بأسعار زهيدة ، مع قيام إدارة الجمعية ليلة العيد بصرف كمية محددة من هذه الزكاة مباشرة لهؤلاء المستفيدين تفي بحاجتهم أيام العيد لحين إعطاءهم حصتهم من بقية الزكاة في أوقات لاحقة.
إن مثل هذه الآلية أو غيرها من الآليات التي من شأنها تنظيم هذه العملية ، واستثمار هذه الثروة المهدرة كفيل بتخفيف العبء على ميزانية هذه الجمعيات، وتوجيه هذه الميزانيات نحو مشاريع وبرامج أخرى تساهم في دعم هذه الشريحة من الفقراء والمحتاجين.
فائدة:
عدد سكان المملكة حسب إحصائية 1425هـ 22.673.538 نسمة، منهم 16.529.302سعوديون، إذا افترضنا فقط أن هذا العدد من السعوديين سيخرج زكاة الفطر والتي تمثل (3كغم) من الأرز بسعر متوسطة عشرة ريالات فإن ذلك يعني أننا سننفق 1.65.239.020 ريال في تلك الليلة، هذه الثروة الكبيرة إذا لم تستثمر بشكل علمي ومدروس فإنه سيتبعها أكثر من 100.000.000 ستصرفها الجمعيات الخيرية من ميزانياتها لتأمين حاجة الفقراء المسجلين بهذه الجمعيات من الأرز فقط. نعم إنها ثروة مهدرة، فهل حان الوقت لتدارك الأمر واستثمارها ؟؟؟؟