رمضان شهر مبارك يتجدد اللقاء به كل عام فتتجدد معه الحياة ليدخل المسلم من خلال بوابته العظيمة إلى رحاب واسع من الفيض الرباني المفعم بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، ليزكي نفسه وروحه ويسمو بهما في درجات الكمال، فهو في شهر الخير والبركات شهر الأجر والثواب والعتق من النار.
ومع قرب هذا الشهر تتوارد الخواطر والأفكار ليجري بها القلم مسجلاً عدد من المحطات المتجددة في هذا الشهر ومنها :
أولا: رمضان و الفرح: في رمضان فرحتين يفرح بهما المؤمن فرحة دخول الشهر وبلوغه ، وفرحة خروجه وقبوله، أم فرحت الدخول فهي نابعة من فضل الله على عبده المؤمن أن بلغه هذا الشهر وجعل بلوغه تكفيرا عن ذنوب عام سابق تصديقا لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) . وأما فرحة الخروج فهي فرحة الظفر والفوز والقبول (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، وفي كلا الفرحتين فإن فرحه فرح شكر وحمد لله الذي وفقه ومنّ عليه ،لا فرح أشهر وبطر وغرور وإعجاب ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ).
ثانياً: رمضان و التغيير: أصعب ما يواجه النفس البشرية تعلقها بالعادات حتى أصبحت نفوس كثير من الناس أسيرة لهذه العادات ، والعادة إن كانت من الصنف الإيجابي فهي عادة محمودة، وإن كانت من الصنف السلبي فهي عادة مذمومة وهذا النوع هو المهيمن وللأسف على قلوب الكثير من الناس، والتخلص من العادات السلبية والتحول منها إلى عادات ايجابية يحتاج إلى إرادة قوية غالباً ما يفشل مريد التغيير في تحصيلها ، ورمضان بنمطيته الخاصة فرصة كبيرة لمريدي التغيير فهو مدرسة التغيير، في رمضان تكتسب النفس البشرية قوة وطاقة وإرادة تستعلي بها على ضرورات الجسد وحاجاته فتتغير حياة الناس في رمضان وتتغير طبائعهم وعاداتهم وتعلو هممهم ويسهل عليهم التعايش مع هذا التغيير لوجود المعين فالجميع ملتزمون بنط موحد في رمضان ولذا فإن الفرصة تكون مواتية بدرجة كبيرة في هذا الشهر لمن أراد أن ينتقل بنفسه درك العادات السلبية إلى فضاء العادات الايجابية، ومن لم يتمكن من التغيير في رمضان فلن يتمكن من التغيير في غيره ، وقبول الناس للتغيير في رمضان يختلف عن قبولهم للتغيير في غير رمضان.
ثالثاً: رمضان والقيم: الإخلاص والتجرد والكرم والإحسان والتكافل والتضامن والبذل والعطاء والصدق والمحبة والتواضع والإحساس بمعاناة الفقراء والمحتاجين والعمل على مساعدتهم …. كلها قيم عظيمة تتجلى بشكل أكثر وضوحاً في هذا الشهر الكريم حيث تتزكى النفوس وترتقي نحو المعالي من خلال تلك النفحات الربانية التي تفيض على المؤمنين من خلال ارتباطهم الوطيد بالصلاة والقرآن والصوم والذكر والدعاء.
رابعاً: رمضان وتصحيح المسار: شهر رمضان فرصة سانحة للوقوف مع النفس وتصحيح المسار لمن حاد عن الطريق وابتعد عن الركب ليعيد المياه إلى مجاريها، والأمور إلى نصابها، ورغم أن أبواب التوبة مفتوحة على مدار العام إلا أنها في هذا الشهر تزدان للتائبين الفارين من الله إلى الله، في شهر رمضان تتوشح القلوب بالإيمان، وتنكسر ذل وطاعة وعبودية للرحمن فتغفر الذنوب وتقال العثرات، فيعود الصفاء إلى النفوس وتستبشر بالرضا والقبول، في رمضان فرصة لتصحيح المسار وطلب الغفران من الله عما صار وكان من الذنوب والمعاصي فأجواءه الإيمانية الرائعة، تدفع للإكثار من الطاعات، والانتهاء عن السيئات، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
خامساً: رمضان طمأنينة وانشراح: في رمضان تصفد الشياطين, ويتمكن المؤمن من كبح جماح نفسه، وتهذيبها وتزكيتها، فهو يعيش جو إيماني يتلذذ فيه بتلاوة القران والاستماع إليه وتدبر آياته فتزيد روحه صفاءً وشفافية، ونفسه هدوءاً وطمأنينة، وأعصابه استرخاءً وراحة، في رمضان يشعر المؤمن بحلاوة الدعاء والمناجاة فتحصل له طمأنينة القلب وسلام النفس وانشراح الصدر وتمام السعادة. سادساً: والمحروم من حرم الخير: وفي رمضان يتجلى الحرمان لمن لم يوفق للصيام والقيام، في رمضان بؤساء تعساء حرموا أنفسهم من الخير، غرهم الأمل وخدعهم سراب الصحة، جعلوا منه شهر نوم ولعب وسفه وضياع، قطعوا نهاره بالنوم وليله بالعبث، بارزوا الله بالمعاصي فحرمهم التلذذ بروحانيته، ولكنه برحمته وعدله جعل الباب لهم مفتوحاً لعل وعسى.