في يوم من أيام العمل بالجمعية الخيرية وفي الدقائق الأخيرة من الدوام المسائي وفيما كان موظفي الجمعية يتهيئون للانصراف إلى منازلهم إذا بتلك المرأة الخمسينية تدلف من بوابة الجمعية بصحة عدد من الأبناء والبنات الصغار، تتنهد حسرة وتبكي حرقةٍ لما أصابها وأبناءها من عقوق ونكران جميل من ابنها الأكبر الذي تولى إدارة الأسرة بعد وفاة والده منذ أكثر من ستة أشهر، صبية صغار تتحدر من أعينهم دموع الحسرة والأسى والخوف من المستقبل بعدما أقدم أخوهم الكبير على طردهم ووالدتهم من منزلهم ليتفرد به هو وزوجته في صورة من أبشع صور العقوق ونكران الجميل.
تفاجأ الجميع بهذا المنظر وهذه الصورة المحزنة، طلبت الأم المكلومة من مدير الجمعية توفير مأوىً آمن لها ولأولادها لحين تصفية الموضوع مع ابنها العاق من خلال المحكمة، مدير الجمعية وبحكم الحالات السابقة التي مرة عليه كمثل هذه الحالة أصبح في وضع لا يحسد علية فأمامه قضية إنسانية تأبى ديانته ورجولته وشهامته التنصل منها، وتعترض إمكانات الجمعية البسيطة توفير حل مناسب لمثل هذه الحالة، فليس لدى الجمعية استعداد مسبق لاستقبال مثل هذه الحالات، و استئجار شقة مفروشة يكلف الفرع أعباء خارج قدرته المالية خاصة إذا كانت هذه الحالات تتكرر بشكل شهري، كما أن تولي الجمعية لمثل هذه الحالات قد يترتب علية إشكالات اجتماعية وأمنية قد تدخل الجمعية في متاهات لم تكن ضمن أجندتها في يوم من الأيام.
حالات كثيرة وقضايا محزنة وصور من صور الإساءة الأسرية والعنف بدأت تظهر في مجتمعنا بشكل لم يكن معهودا من قبل، تناولتها وسائل الإعلام حتى أنه ما تكاد تنتهي قضية إلا وتخرج أخرى وما خفي كان أعظم.
قامت الدولة وفقها الله وكبداية لمواجهة هذه المشكلة بإنشاء إدارة للحماية الأسرية بوزارة الشؤون الاجتماعية تتولى استقبال الحالات ودراستها، وبسبب ضعف إمكانيات هذه الإدارة، فإن مثل هذه الحالات تتم إحالتها إلى جمعيات خيرية لتتولى العناية بها مما زاد العبء على هذه الجمعيات والتي لا تتوفر لديها الإمكانات المناسبة لمثل هذه القضايا.
ونظراً لتفاقم هذه المشكلة وخشية من أن تتحول إلى ظاهرة اجتماعية فإن وزارة الشؤون الاجتماعية مطالبة بأن تستجيب إلى نداءات من أقضت مضاجعهم هذه القضية من الكتاب، والدعاة، والصحفيين الذين أثاروا هذه القضية وطالبوا الوزارة بإتاحة الفرصة لإنشاء مؤسسات اجتماعية خيرية تعنى بهذه الشريحة، وتتولى رعايتها من خلال آليات واضحة تحفظ كرامة من تعرضن للإساءة، وتضمن سلامتهن، وحصولهن على حقوقهن. إن غض الطرف عن هذه القضية، وقصور إمكانيات الوزارة ممثلة في إدارة الحماية الأسرية، ورفض مطالب من أبدوا استعدادهم لمساندة الوزارة من خلال مؤسسة خيرية تعنى بالحماية الأسرية لينذر بتفاقم هذه المشكلة بدرجة قد تؤثر على بنية الأسرة وتماسكها وتلاحمها، ولعل لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى، وبالتنسيق مع هيئة حقوق الإنسان، أن تتبنى هذه القضية وتراجع مع وزارة الشؤون الاجتماعية الآليات المناسبة لمواجهة هذه المشكلة والتصدي لها من خلال جهود الوزارة ومساندة القطاع الخيري.