الإنفاق وبذل المال في سبيل الله من أجل الطاعات وأفضل القربات، التي ترضي الرب سبحانه وتعالى، ويتوصل بها إلى تحصيل الحسنات وتكفير السيئات، وبلوغ الجنان قال الله عز وجل :” يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله”، ومع ما في هذا الإنفاق من خير للمنفق دنيا وآخرة كالوقاية من مصارع السوء وإطفاء غضب الرب وتنمية المال ومداواة المرضى، إلا أن مؤشر هذا الإنفاق يتذبذب من وقت إلى آخر حسب طبيعة هذا المنفق والمؤثرات التي يتعرض لها في حياته اليومية، وفي شهر رمضان وهو شهر الإنفاق يرتفع هذا المؤشر لدى الكثير من أبناء المجتمع تفاعلاً مع تلك الأجواء الروحانية التي يعيشونها فيزداد البذل والعطاء ويتسابق الناس في ذلك استجابة لقول الحق سبحانه وتعالى :” وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء “، ولكن ما أن ينقضي هذا الشهر إلا وينخفض هذا المؤشر بدرجات متفاوتة مما يحرم الكثير من محبي الخير الأجور الكبيرة المترتبة على هذا الإنفاق، ولعل هذا وضع طبعي نظراً لانشغال الناس بدنياهم مما يحدث لديهم شيئا من الغفلة عن هذا الباب العظيم من أبواب الخير، ومن أجل مساعدة الناس على استمرار العطاء والبذل وإعانتهم على أنفسهم اتجهت المؤسسات الخيرية إلى استحداث برامج تتيح للمتبرع المداومة على البذل والعطاء وتجعله يعيش كل يوم جديد في ظل صدقته التي بذلها في يومه، ومن هذه البرامج برنامج الاستقطاع الذي يمثل مساهمة مالية من المتبرع عبر حسابه البنكي قد تكون يومية أو شهرية بشكل دائم ومستمر إلى ما شاء هذا المتبرع من السنوات، وفي هذا البرنامج تحقيق لتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالسعي نحو أكثر الأعمال حباً لله والذي جاء في الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قالت سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله قال: (أدومها وإن قل ) رواه البخاري، فهذا الاستقطاع يجمع بين الدوام والقلة، ومن المسلم به أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، وفي هذا الاستقطاع من الفوائد للمتبرع وللمؤسسة الخيرية الشيء الكثير، فأما المتبرع فإن هذا البرنامج يجعله داخلاً في الدعاء اليومي للملك النازل من السماء مع كل صباح بأن يعطى كل منفقاً خلفا كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا)، كما أنه يعين المتبرع على القيام بأحب الأعمال إلى الله بالإضافة إلى ما يتحقق للمتبرع من خير عبر هذا الإنفاق كزيادة المال فما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده ومداواة المرضى ودفع ميتة السوء وإطفاء غضب الرب سبحانه وتعالى، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال” حصنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة ، وأعدوا للبلاء الدعاء “، أما على مستوى المؤسسات الخيرية فإن لهذا الاستقطاع فوائد كثيرة لعل من أبرزها توفير مورد مالي منتظم لمشاريع المؤسسة الخيرية المختلفة يمكنها من رسم خطط مستقبلية واضحة بناء على ما يتوفر من دخل ثابت، بالإضافة إلى سهولة الحصول على الدعم ووضوح طريقه وضمان وصوله إلى هذه المؤسسات وصرفه في المصارف التي أنشئت من أجلها.
إنها قطرات خير تتجمع من هنا وهناك لتكون نهراً جارياً بالخير والأجر، قال تعالى ” وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً.. “.