الإجازة … لك أو عليك

     أقبلت الإجازة الصيفية، والكلٌ يرنو إليها بلهفة وأمل، فالجميع.. ينظر إليها على أنها محطة راحة ‏واستجمام، لمعاودة الجد والعمل والنشاط من جديد.  ‏

     الترويح عن النفوس مطلوب، لأن القلوب تَكلّ، وإذا كلّت عَمِيَتْ، قال علي بن أبي طالب ‏رضي الله عنه (أجموا (أي روحوا) هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان)، وقال ابو الدرداء رضي ‏الله عنه: (إني لأجم فؤادي ببعض الباطل (أي اللهو الجائز) لأنشط للحق)، وقد لَقِيَ أبو بكرٍ ‏الصديق رضي الله عنه حنظلةَ الأُسيدي رضي الله عنه فقال لـه : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال: ‏قلت: نافق حنظلة، قال : سبحان الله ! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم يذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين، فإذا خرجنا من عندِ رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضّيعاتِ فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. ‏قال حنظلة: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلتُ: ‏نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قال حنظلة قلت: ‏يا رسول الله نكون عندك تذكرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسْنا ‏الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ، نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي ‏بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي ‏طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة. ثلاث مرات. رواه مسلم، وفي رواية لـه: فقال : يا ‏حنظلة ساعةً وساعةً، ولو كانت تكون قلوبُكم كما تكونُ عند الذِّكر، لصافحتكم الملائكةُ حتى ‏تُسلِّم عليكم في الطُّرُق.‏

     إذاً فالقلوب تحتاج إلى راحة، والنفوس تحتاج إلى شيء من الاستجمام، الترفيه عن النفس والأهل ‏والأولاد مطلوب، مطلوبٌ لاستعادةِ النشاط، وتغييِر الجـو، وكسرِ الروتين، وإن كان الترفيه من ‏المباحات إلا أن المسلم يحتاط لنفسه من أن يصل به التوسع في الترفيه إلى الترفيه المحرم الذي ‏يُصاحبُه تضييع فرائض الله، أو ارتكاب ما حرّم الله، أو تضييع الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا.‏

تكثُر الأسفار في الإجازات، وتتنوّع الوُجُهات، وتختلف المقاصد، ومن هُنا تختلف نظرة الناس ‏إلى السفر، حيث ينقسم الناس في قضاء الإجازة إلى أقسامٍ عِدّة بحسب رغباتِ نفوسهم ‏واحتياجاتِهم، قسمٌ يقضيها في أداء واجب كَبرِّ والدٍ أو صلة رحمٍ واجبة ونحو ذلك. وقسمٌ ‏يقضيها في القيام بمسنون كـزيارة الأقارب أو زيارةِ الأصدقاء، وأداءِ العمرة، والدعوةِ إلى الله، ‏والتّفكّرِ في ملكوت السماوات والأرض، ونحوِ ذلك، وقسمٌ يقضيها في سفر مباح ، كسفرِ ‏النُّزهة المباح ، وطلبِ برودة الجو أو البحث عن علاجٍ، ونحوِ ذلك، وقسم يقضيها في أمور ‏مكروهه، كأن يقضيها في اللهو والعبث أو في النوم، أو يقضيها في سفرٍ من الأسفار من غير ‏فائدة مرجوّة، ولا هدفٍ منشود، مباهاةً للناس ولو أدى ذلك إلى تحمل الدَّيْن أو أدى إلى ‏الإسراف أحيانا، وقسمٌ يقضي إجازته في أمور محرمة، كالسفر إلى بلاد العهر والفجور والتي تُقتلُ ‏فيها الفضيلة، وتؤد فيها العِفّـة، ولا وجود في أرضها للحياء، مع تضييع لفرائض الله عز وجل‏، وقسمٌ ينتظر الإجازة بفارغ الصبر، فهو لها بالأشواق، فإذا قدِمت طار مع رُفقته وترك أسرته، ‏وربما لجئوا إلى الناس يستجدونهم ويطلبون منهم المساعدة، وهو في لهو ولعب، وربما في سفر ‏مُحرّم.‏

     والراصد لأحوال الناس مع الإجازة يجد أن جزء ليس بالقليل يغفلون أثناء تمتعهم بإجازاتهم عن ‏أمور في غاية الأهمية قد يترتب عليها تبعات ثقيلة دنيوية وأخرويه، فمنهم من يستمتع بهذه ‏الإجازة بطريقة يلحقهم من خلالها آثام كثيرة فيستخفون بنظر الله إليهم ويغفلون عن حديث ‏الرسول صلى الله عليه وسلم والذي جاء فيه أن ( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ‏‏)، وحديث (كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته) وينساقون بلا هدى خلف مقولة (ساعة لقلبك، ‏وساعة لربك) فتخرجهم الإجازة عن غاية خلقهم ويتناسون أن ساعة القلب يجب الا تغضب ‏الرب، والانسان العاقل ينظر للإجازة نظرة خاصة، فهي عنده تجارة رابحة ولهو مباح ووقت ممتع ‏يقضيه مع أولاده وجولة إيمانية وتربوية هادفة ، وهو ينظر إليها عل أنها وسيلة لا غاية، وأنها ‏محطة تزود وشحذ للمنشار ليعود هو واسرته بعد الاجازة وقد تجدد النشاط واصبحت النفوس ‏والأجساد جاهزة لرحلة عمل شاقة لعام أخر يعقبه اجازة.‏

اترك تعليقاً