الأوقاف في أشيقر علامة فارقة

اشتهرت أُشَيْقِر بكثرة وقِدَمِ أوقافها وذلك نتيجة للحركة العلمية التي ظهرت فيها ‏والتي تعود إلى ما قبل ‏القرن 8 الهجري، 14م وساهمت في زيادة الوعي المجتمعي ‏بأهمية ‏التكافل الاجتماعي وضرورته لبقاء المجتمع وتماسكه مع ما فيه من الأجر والثواب العظيم، وكان الوقف أحد أهم صورة تحقيق قيمة التكافل بين المسلمين، فتسابق الناس في هذا الميدان فانتشرت الأوقاف وتنوعت وشملت جميع مناحي الحياة واحتياجات المجتمع، ووصل اهتمام أهل اشيقر بالأوقاف انك لا تكاد تجد بستانا إلا وبه جزء موقوف أما أرض أو نخل أو أثل سواء وقفا عاما أو ذريًا.

والثابت اليوم حسب المصادر المتوفرة أن أول وصية وقفية مؤرخة في منطقة نجد هي وصية صَبِيح سنة ( 747 ه- 1346م)، ثم وقفية بسام بن منيف، ووقفية محمد بن بكر، وكلاهما في مطلع القرن التاسع الهجري- نهاية القرن الرابع عشر ميلادي-، ثم وصية صقر بن قطام (942 ه- أوائل القرن السادس عشر الميلادي 1535م)، ووقف مكتبة الشيخ حسن بن علي بن بسام (945 ه – بداية القرن السادس عشر الميلادي 1538م)،  ثم وصية رميثة بن قضيب المؤرخة في (986 ه – أوائل القرن السادس عشر الميلادي 1578م)، ووقف أبناء أحمد بن إسماعيل (1017 ه – بداية القرن السابع عشر الميلادي 1608م).

وجاءت الأوقاف على نوعين فمنها أوقاف عامة، وأوقاف خاصة (ذرية)، أما الأوقاف العامة فقد تنوعت أصولها لتمثل شكل الحياة والمناشط الاقتصادية في البلد فمنها الأصول الثابتة وأغلبها الأراضي الزراعية، وبساتين النخيل، والآبار والأصول المنقولة وأغلبها من مستلزمات الحياة اليومية مثل: المصاحف والكتب، أدوات الحرث والزراعة، أدوات الري، وأدوات الطبخ (قدور، مقارص، رحا)، الموازين وأدوات الكيل كالصاع والمد، ..الخ، وتنوعت مصارفها لتغطي جميع احتياجات المجتمع بكل فئاته (التعليم، وعمارة المساجد وصيانتها، والاطعام، والعلاج، وإضاءة الطرق، والاكفان ومستلزماتها من لِبْنٍ وخوص، وتفطير الصوام في رمضان وغيره، وإصلاح الجسور والطرقات والجُدر، وسقيا الماء للأفراد والمزا رع مع مستلزماتها من الدلاء والقرب وغيرها من الأدوات، ومستلزمات الأمن كبناء وصيانة أبراج المراقبة، واعتاق العبيد، ومستلزمات الطبخ كالملح والدهن وغيرها، وصيانة الأودية والشعاب وتنظيفها….الخ، وقد حضي تفطير الصوام في رمضان ومواسم الصوم الأخرى بحظ وافر من الأوقاف في أشيقر سواء كانوا فقراء أو أغنياء من أهل البلد أو من ‏خارجها، ووضع لأوقاف الصوام هذه وكيل يقوم عليها رعايةً وصيانةً ‏ومتابعةً وحفظ ثمرتها وتخزينها لتفطير الصوام وذلك في المساجد المشهورة بأشيقر كالجامع الكبير، ‏ومسجد الفيلقية، ومسجد الشمال، وقد جمع أغلب هذه الأوقاف المخصصة للصوام في ديوان سمي بديوان ‏أوقاف الصوام بأشيقر.‏

ومما ميز الأوقاف في اشيقر أن الكثير منها نص فيه الواقفون على تعطيل جميع مصارف الوقف في حال أصاب الناس مجاعة عامة وتوجيه الغلة كلها لمواجهة هذه المجاعة، بل إن بعض الأوقاف خصصت فقط لمن وصل بها الحال الى مرحلة متقدمة من الجوع أصبح بسببها يجول في الطرقات ليلا ويصيح بأعلى صوته من شدة الجوع ليتساقطون هلكى عند أبواب البساتين والبيوت وفي الطرقات، ولم تغفل الأوقاف عن الفئات الأكثر تعففا والتي يمنعها الحياء أو العجز عن الوصول الى أماكن الطعام الموقوف فجاءت بعض الأوقاف بتخصيص جزء من ريعها للنساء اللاتي يشتهين الطعام ويستحين أن يخرجن للحصول عليه، والمرضى المقعدين في بيوتهم.

وقد ساهمت هذه الأوقاف بجميع أنواعها في تنمية المجتمع المحلي من عدة وجوه:‏

  1. المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي في البلد وسد حالات النقص في المحاصيل التي يمكن أن تحدث نتيجة ‏انشغال الناس بمواسم العبادة كأيام الجمع وشهر رمضان حيث تقل ساعات العمل فتنخفض الإنتاجية ‏فتكون الأوقاف رافدا لتغطية هذا النقص.‏
  2. المساهمة في تحقيق الأمن الاجتماعي المتمثل في تأمين الاحتياجات الأساسية للمجتمع بما يحقق انخفاض ‏الجريمة أو انعدامها، كذلك الحماية العامة للبلد المتمثل في بناء القلاع وصيانتها وتأمين السلاح.‏
  3. المساهمة في تنمية الحراك العلمي من خلال وقف المكتبات والكتب، وتخصيص مخصصات مالية وغذائية ‏لطلاب العلم تغنيهم عن الانشغال بطلب الرزق عن طلب العلم وتدريسه.‏

أما الأوقاف الخاصة بالذرية فقد حظيت باهتمام كبير من أهل أشيقر وكان لها دور كبير في حماية الاسر ‏من الفقر جيلا بعد ‏جيل فكانت تتضمن بعد استراتيجي اذا لو تركت إرثا لتفتت هذه الأملاك بين الورثة ‏وانعدم أثرها، كما كان لبعض هذه ‏الأوقاف دور في منع الهجرة من البلد حيث جاء في بعضها أنها وقف ‏على من سكن في أشيقر، ومن خرج منها فليس له ‏شي حتى يرجع إليها، ونتيجة لكثرة الأمراض والوفيات التي كانت تجتاح المجتمعات الريفية والتي تسبب في هلاك الكثير من الأفراد بل ‏وتنقرض بسببها ‏الأسر فقد حرص الواقفون لضمان استمرار نفع أوقافهم ودوام أجرها على جعل مصرف ‏أوقافهم الذرية في حال انقراض ‏الذرية على الفقراء والمساكين.‏

ومع التحول الحضاري الذي شهدته المملكة العربية السعودية العربية السعودية وارتفاع مستوى المعيشة ‏وتغير نمط الحياة وتحول المجتمع من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع مدني انخرط أكثر سكانه في الوظائف ‏الحكومية فأستغنى الناس عن هذه الأوقاف وأهملت للأسف ولم يتبق من أصولها إلا الأراضي وبعض ‏النخيل المهملة، وضاعت أصول الأوقاف المنقولة، ومع ذلك فقد توجه بعض سكان البلدة إلى إحياء ‏بعض الأوقاف القديمة وتجديد غرسها بأنواع النخيل الجيدة رغبة منهم في استمرار الأجر للواقفين وحفاظًا ‏على هذا الإرث الحضاري من الضياع والزوال ولتبقى هذه الأوقاف علامة فارقة في تاريخ الأوقاف في المملكة العربية السعودية العربية السعودية.‏

كتبه

إبراهيم بن محمد السماعيل

أشيقر

8/6/1441ه

اترك تعليقاً