شهدت المملكة العربية السعودية في العقود الماضية نهضة حضارية وتنموية كبرى مرّ فيها المجتمع السعودي بتحولات غير مسبوقة انتقل فيها من حال إلى حال، فتحسنت أحواله المعيشية والتعليمية والصحية والاجتماعية، ونتج عن هذه التحولات تغيرات مجتمعية كبيرة على مستوى المدن والقرى.
نتج عن هذا التغير الكبير في بنية المجتمع أن هُجرت القرى القديمة ومزارعها وتحولت إلى مزار للذكريات، وكان من نتاج ذلك إهمال تلك الأوقاف التي ورثها الأجداد، والتي أسهمت وعلى مدى قرون متتالية في تأمين سبل العيش والحياة الكريمة لهذه المجتمعات (وخاصة في تلك الأوقات الحرجة التي مرّت بها هذه المجتمعات)، فاستغنى الناس عنها، وأُهمِلت وتعطلت منافعها، وتلفت أعيانها.
وأداءً للواجب القيمي بالوفاء لأولئك الأسلاف الذين أوقفوا هذه الأوقاف، رغم ضيق ذات اليد استشعاراً منهم رحمهم الله بضرورة تأمين مصادر عيش مستدامة لمجتمعاتهم المحلية كان من الضروري التنادي لإحياء هذه الأوقاف وتجديدها (رغم عدم الحاجة إلى ريعها) لضمان جريان أجرها لمن أوقفها، وللحفاظ على هذا الإرث التاريخي الحضاري الذي تميزت به هذه المجتمعات.
ووقف صبيح ببلدة أشيقر، والذي تعتبر وثيقته أقدم وثيقة وقفية بإقليم نجد والمؤرخة عام 747ه، ساهم وعبر أكثر من 700 عام في تنمية المجتمع المحلي في مجالات متعددة، إلى أن تعطلت منافعه كغيره من الأوقاف نتيجة للتحسن الكبير الذي طرأ على حياة المجتمع في العقود الأخيرة وكان سبباً في تخلي الناس عن هذه الأوقاف القديمة، واستغنائهم عنها، وانشغالهم بتحصيل موارد رزقهم من وسائل حديثة.
ولأهمية هذا الوقف، وللدور الكبير الذي ساهم به في تنمية المجتمع عبر قرون طويلة، ووفاء لمن أوقفه، ورغبة في استمرار أجره، قام الأستاذ: إسماعيل بن إبراهيم السماعيل عام 1427ه، بمبادرة حسنة، محتسبا أجره على الله، ومستشعراً ما ورد في نص الوثيقة من تجديد له “….. لينقله الخلف عن السلف، ولا يتعرض لإبطاله التلف….”، بإحيائه واستصلاح حيطانه بعد أن تحول ما على أرضه إلى أعجاز نخلٍ خاوية، وأصبح عديم الخراج والنفع مع تقادم الأعوام عليه، وانحسار الماء من الآبار التي كانت مصدر سقيا لتلك الأوقاف، فجلب له الماء من حائط الجفرة المجاور من جهة الجنوب (وهو وقف لأسرة آل إسماعيل) عبر تمديدات ريّ حديثة، واستصلح أرضه بالإبقاء على ما كان حياً من نخيله، وغرس ما تبقى من الأرض بالنخل، وأصلح مداخل ومخارج سيله، وحمى أرضه بسياجٍ حديدي، فعادت له الحياة، وزال خطر انقطاعه، ولا يزال من أحياه قائماً على رعايته إلى يومنا هذا باذلاً من ماله وجهده، كتب الله له القبول والأجر، وكان لمبادرته هذه الأثر الواضح في استمرار هذا الوقف، واستمرار نفعه وأجره.