وجهة نظر حول توثيق أوقاف الجمعيات الخيرية
مقدمة :
انطلاقة قوية حققتها الجمعيات الخيرية نحو تحقيق الاستدامة المالية لمشاريعها وبرامجها الخيرية كانت الاوقاف احد اهم وأنجع أدواتها فتسابقت الجمعيات وتنافست في تأسيس الاوقاف وأبدعت في تسويقها لافراد المجتمع عبر منظومة متكاملة متميزة من الأدوات الإعلامية التي لا قت تجاوباً كبيرا وتفاعلاً غير مسبوق من العامة والخاصة أفراداً ومؤسسات ، وبما ان الكمال عزيز فقد واجهت هذه الانطلاقة بعض الممارسات العفوية التي إن لم يتم تداركها وعلاجها فلربما تتسبب في تاخير هذه الانطلاقة وتسهم في خلخلة الثقة التي تم بناؤه بين الجمعيات الخيرية وعامة أفراد المجتمع ، ومن اهم هذه الممارسات قضية عدم توثيق الاوقاف بصكوك شرعية من المحاكم المختصة بحجج متنوعة منها ما يتعلق بموضوع التحرر من الأنظمة المقيدة والاجراءات الطويلة في عمليات البيع والشراء والاستبدال والرهن وغيرها ، ومنها ما يتعلق بمستقبل هذه الاوقاف والخوف عليها من سطوة المؤسسات الحكومية عليها…. الخ من تلك التحولات والتخوفات .
واقع التوثيق الحالي :
والراصد لاوقاف الجمعيات الخيرية ( التي تم تسويقها على أفراد المجتمع من قبل هذه الجمعيات ) وآلية توثيقها يجد انها على أنوع منها :
١- اوقاف خيرية موثقة بصكوك شرعية من المحاكم المختصة تحت نظارة مجلس ادارة هذه الجمعيات بصفتهم الاعتبارية .
٢- اوقاف خيرية موثقة بصكوك شرعية من المحاكم المختصة تحت نظارة ( شخص ، او أشخاص ) طبيعيين ، ومسجلة بوثيقة خارجية ( ورقة ضد ) بأنها اوقاف تابعة للجمعية الفلانية .
٣- اوقاف خيرية وثقت على أوراق خارجية أشير فيها أن هذه الاعيان اوقاف على الجمعية الخيرية ، وما زالت صكوكها باسم الجمعية الخيرية ولم يتم توثيقها والتهميش عليها من قبل المحاكم المختصة .
٤- اوقاف خيرية سوقت اعلاميا وجمعت لها المبالغ المالية كأوقاف خيرية لكنها لم توثق لا بصكوك شرعية ولا أوراق خارجية ( أوراق ضد ) .
( ملحوظة : نحن هنا لانتحدث عن الاوقاف الخيرية التي أوقفها الواقفون وحددوا مجلس نظراتها من قبلهم وجعلوا مصرفها لجمعية معينة ).
مخاطر عدم التوثيق الرسمي لاوقاف الجمعيات الخيرية :
١- الجمعيات الخيرية جمعيات أهلية نظامية مرخصة وفق نظام ملزم لها ، وعدم توثيقها لاوقافها بشكل رسمي يعتبر مخالفة شرعية ونظامية وهي أولى من غيرها بمراعاة الجانب الشرعي والنظامي للأوقاف .
٢- الأموال التي تم تحصيلها باسم الوقف تبرع بها المحسنون ثقة في هذه الجمعيات وفق عقد أدبي حسب اعلان الجمعية على أساس انها اوقاف وبالتالي فان عدم التوثيق الذي يحمي حقوق المتبرعين يعتبر اخلالاً بالعقد الأدبي بين الجمعية والمتبرع .
٣- الأموال التي تم تحصيلها من المحسنين باسم الوقف هي حق للوقف وللمتبرعين فمن الذي خول مجلس ادارة الجمعية بعدم توثيق هذه الاوقاف والتصرف فيها بيعا وشراء ورهنا، وهل تبرأ ذمتهم بذلك .
٤- تصرف ادارة الجمعية في الاوقاف غير الموثقة شرعا بالبيع والشراء والرهن دون الرجوع للمحكمة يعتبر مخالفة لانظمة الدولة التي تنص على ان حق البيع والشراء والرهن مرتبط بموافقة المحكمة على ذلك ، والجمعيات الخيرية هي اول من يجب ان يراعي هذه الأنظمة .
٥- في حال التصرف في هذه الاوقاف غير المثبتة شرعا بالبيع والرهن والاستثمار فمن يضمن تحقق الغبطة للوقف ،
٦- قد يكون أعضاء مجلس ادارة الجمعية أناس فضلاء ثقات وبالتالي فقد يقال بانه لا خوف على الوقف من التعدي او او التفريط ، وعلى افتراض قبول هذا الرأي تجاوزا فمن يضمن مجالس الادارة الجديدة في المستقبل ومن سيتحمل اي اعتداء او تفريط من قبلهم على الوقف .
٧- التصرف بالبيع والشراء ينتج عنه عمولات مالية تكون ضخمة احيانا وقد تغري هذه الأموال بعض ضعفاء النفوس من اعضاء مجلس الادارة فيترخصون في اخذها كلها او بعضها فمن سيمنعهم من ذلك .
٨- الطمع وحش كاسر فاذا تحرك في قليل المال فقد لا يتوقف الا باكل الوقف كله .
٩- عدم التوثيق الرسمي والتجرؤ على التصرف في الوقف بالبيع والشراء دون إذن المحكمة قد يتسبب مستقبلا في بيع الوقف ونقله واستبداله بعين اخرى بحجة ظاهرها مصلحة الوقف وباطنها مصلحة خاصة لبعض او كل اعضاء مجلس الادارة من ضعفاء الذمم .
١٠- مع مرور الزمن وتغير مجالس الادارة ربما تٓتْلف او تُتْلف ما يسمى بأوراق الضد المسجل عليها إقرار مجلس الادارة بكون هذه الأعيان وقف للجمعية فما هو مصير هذه الاوقاف في حال حل الجمعية وتصرف الوزارة المعنية بأموالها والتي من ضمنها أموال الاوقاف .
١١- سؤال : لو علم المتبرعون لهذه الاوقاف التي تصاحبها عادة دعايات كبيرة ان اموالهم التي تبرعوا بها لهذه الاوقاف لم تسجل رسميا في المحكمة وان مجالس الادارة يتصرفون فيها بيعا وشراء فهل سيوافقون على التبرع ام سيحكمون ؟
١٢- ماهي الصورة الذهنية التي ستتشكل لدى المجتمع عن العمل الخيري عامة وهذه الجمعيات خاصة في حال معرفتهم بان اموالهم التي تبرعوا بها للأوقاف لم توثق رسمياً وان مجالس الادارة تتصرف فيها بالبيع والشراء دون رقابة ولا إذن من المحكمة .
١٣- العمل الخيري قاعدته الصلبة هي الثقة بين المتبرع والقائمين على هذا العمل وهذه الثقة ثمرات سنوات من العمل وأي تصرف خاطئ سيهدم ما بُني في سنوات في ثوانٍ معدودة .
مقترحات لضمان توثيق اوقاف الجمعيات الخيرية :
١- قيام وزارة العدل بتسهيل
الإجراءات الإدارية والشرعية المتعلقة بالتصرف في الاوقاف بيعا وشراء ورهنا ، ولعل اللجنة المشكلة من قبل وزارة العدل تخرج باجراءات اكثر مرونة تسهم في حماية الوقف وتبسيط الإجراءات .
٢- قيام الهيئة العامة للأوقاف بحملة إعلامية موجهة تحمل رسائل تطمينية للواقفين باستقلالية أوقافهم بعيدا عن هيمنة المؤسسات الحكومية .ض
٣- قيام الهيئة العامة للاوقاف بسن تشريعات قانونية وادارية من شانها حفظ حقوق الواقفين وضمان استقلالية اوقافهم وديمومتها .
٤- ربط تصاريح الإذن بجمع التبرعات للأوقاف الخيرية للجمعيات بالتزام موقع من اعضاء مجالس الادارة في الجمعيات الخيرية بسعيهم لتوثيق هذه الاوقاف بصكوك شرعية خلال مدة يتفق عليها بين الجهة المانحة للتصريح ( الهيئة العامة للأوقاف ) والجمعية الخيرية المشرفة على الوقف .
٥-تضمين نظام الجمعيات الأهلية ولائحته التنفيذية مواد مرنة توضح اليات توثيق الاوقاف التابعة للجمعيات .
٦- نشر الوعي بين اعضاء مجالس الادارة في الجمعيات الخيرية والعاملين في تلك الجمعيات باهمية الالتزام بالأحكام الشرعية والانظمة الحكومية المتعلقة بالاوقاف .
٧- مناقشة هذه القضية بشكل مستفيض وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بها والانظمة المنظمة لها من خلال المؤتمرات والملتقيات الوقفية .
٨- توعية الواقفين باهمية التأكد من تكامل عمليات التوثيق للأوقاف قبل تبرعهم لها .
٩- قيام مؤسسات متخصصة موثوقة بوضع معايير متنوعة ( يكون أولها التوثيق الشرعي للأوقاف ) يتم من خلالها تسمية الاوقاف الخيرية المرشحة للدعم من قبل أفراد المجتمع .
١٠-ربط مساهمة المؤسسات المانحة في دعم اوقاف الجمعيات الخيرية بوجود صكوك شرعية لها او على الاقل التزام أدبي من مجالس ادارة الجمعيات بتوثيق هذه الاوقاف خلال مدة يتفق عليها بين الموسسات المانحة والجمعيات الخيرية .
كتبه : ابراهيم بن محمد السماعيل