صاحب التطور المذهل الذي تمر به المجتمعات في شتى المجالات، تطور في الأساليب القيادية والإدارية ولقد تناول عدد كبير ممن كتبوا في القيادة موضوع التطوير الإداري داخل المؤسسات، وأكدوا على ضرورة التوقف عن تلك الممارسات الإدارية القديمة التي ساهمت في انخفاض مستوى الجودة الإدارية داخلها، وبرزت إلى السطح مجموعة من الأساليب الإدارية التي تنادي بتمكين السلطة الأخلاقية داخل المؤسسات، واتخاذها أسلوب للتعامل مع التنفيذيين وركزوا في ثنايا طرحهم على النتائج المذهلة التي ستتحقق نتيجة تطبيق هذه السياسة التي تعتمد على التعامل الأخلاقي مع الآخرين وما سوف تثمره من تحول هذه المؤسسات إلى فرق عمل فعّالة ومنتجه تقودها إلى مزيد من النجاح والإبداع والتميز الإداري الذي يمُكِّن كل شخص في المؤسسة من الشعور بقيمته وقدرته على النمو والتطور والمساهمة بمواهبه وإبداعاته في تحقيق غاية المؤسسة وأهدافها.
وفي بعض مؤسساتنا الحكومية وللأسف يسير تيار التطوير الإداري عكس اتجاه التيار، ففي الوقت الذي تتسابق فيه المؤسسات والشركات إلى استثمار ما أفرزته عقول كبار المؤلفين في القيادة من أساليب حديثة، تسود سياسة الجزرة والعصا كأسلوب إداري متوارث أثمر مزيدا من التخلف والفوضوية الإدارية والتمرد على النظام، ومع قناعة القادة الإداريين في هذه المؤسسات بفشل هذه السياسة في تحقيق أي نجاح أو تميز، وضرورة السعي نحو التغيير بحثا عن النجاح والضبط، كان التحول متماشيا مع ثقافة التخلف التي تُعشعِشُ في ذهنية هؤلاء القادة والذين تأكد لديهم أن المخرج الوحيد هو المزيد من التحكم والسيطرة الإدارية ووأد الإبداع، وتمثل ذلك واقعاً ملموساً في انعدام الحوافز، ووأد الإبداع، وقصور برامج التدريب والتطوير، و ترسخ الدكتاتورية، مما نتج عنه تنامي الإحباط واليأس لدى شريحة كبيرة من الموظفين، وانعدام الثقة بين القادة الإداريين والموظفين التنفيذيين وتكرس الشك، وأصبح القادة الإداريون يلوحون بالعصا تجاه أي تقصير أو إخلال بالنظام وسلكوا في ذلك منهج الإدارة بالتخويف وتقمصوا شخصية السجان، وأصبح الموظف تحت رحمة هذه (العصا) يعيش في بيئة تعتمد التهديد وتغلب الشك، وتعد الأخطاء، مما ساهم وكرد فعل على هذا النوع من التهميش والتحدي في تمرد الموظف وتلاعبه بالنظام وتعطيله المتعمد لمصالح الناس، وهذا بلا شك رد فعل طبيعي على سياسة سلبت من هذا الموظف إنسانيته وأهدرت كرامته.
ولا يمكن بأي بحال من الأحوال إصلاح هذا الوضع إلا من خلال إعادة برمجة لتلك العقليات القيادية المتخلفة وصياغتها بطريقة تضمن تفاعلها مع كل تجديد وتطوير في علم الإدارة، لكي تتحول إلى قيادات ناجحة تتمكن من تفعيل جميع الطاقات التي تحت مسؤوليتها وتوجيهها نحو مزيد من الانجاز والإبداع عبر منظومة من الأساليب الإدارية الحديثة القائمة على احترام إنسانية الموظف وحفظ كرامته والتعامل معه كشريك لا كأجير.