وبقيت العصا….‏

صاحب التطور المذهل الذي تمر به المجتمعات في شتى المجالات، تطور في الأساليب ‏القيادية والإدارية ولقد تناول عدد كبير ممن كتبوا في القيادة موضوع التطوير الإداري ‏داخل المؤسسات، وأكدوا على ضرورة التوقف عن تلك الممارسات الإدارية القديمة ‏التي ساهمت في انخفاض مستوى الجودة الإدارية داخلها، وبرزت إلى السطح مجموعة ‏من الأساليب الإدارية التي تنادي بتمكين السلطة الأخلاقية داخل المؤسسات، ‏واتخاذها أسلوب للتعامل مع التنفيذيين وركزوا في ثنايا طرحهم على النتائج المذهلة التي ‏ستتحقق نتيجة تطبيق هذه السياسة التي تعتمد على التعامل الأخلاقي مع الآخرين وما ‏سوف تثمره من تحول هذه المؤسسات إلى فرق عمل فعّالة ومنتجه تقودها إلى مزيد من ‏النجاح والإبداع والتميز الإداري الذي يمُكِّن كل شخص في المؤسسة من الشعور بقيمته ‏وقدرته على النمو والتطور والمساهمة بمواهبه وإبداعاته في تحقيق غاية المؤسسة وأهدافها.‏

     وفي بعض مؤسساتنا الحكومية وللأسف يسير تيار التطوير الإداري عكس اتجاه التيار، ‏ففي الوقت الذي تتسابق فيه المؤسسات والشركات إلى استثمار ما أفرزته عقول كبار ‏المؤلفين في القيادة من أساليب حديثة، تسود سياسة الجزرة والعصا كأسلوب إداري ‏متوارث أثمر مزيدا من التخلف والفوضوية الإدارية والتمرد على النظام،  ومع قناعة ‏القادة الإداريين في هذه المؤسسات بفشل هذه السياسة في تحقيق أي نجاح أو تميز، ‏وضرورة السعي نحو التغيير بحثا عن النجاح والضبط، كان التحول متماشيا مع ثقافة ‏التخلف التي تُعشعِشُ في ذهنية هؤلاء القادة والذين تأكد لديهم أن المخرج الوحيد هو ‏المزيد من التحكم والسيطرة الإدارية ووأد الإبداع، وتمثل ذلك واقعاً ملموساً في انعدام ‏الحوافز، ووأد الإبداع، وقصور برامج التدريب والتطوير، و ترسخ الدكتاتورية، مما ‏نتج عنه تنامي الإحباط واليأس لدى شريحة كبيرة من الموظفين، وانعدام الثقة بين ‏القادة الإداريين والموظفين التنفيذيين وتكرس الشك، وأصبح القادة الإداريون يلوحون ‏بالعصا تجاه أي تقصير أو إخلال بالنظام وسلكوا في ذلك منهج الإدارة بالتخويف ‏وتقمصوا شخصية السجان، وأصبح الموظف تحت رحمة هذه (العصا) يعيش في بيئة ‏تعتمد التهديد وتغلب الشك، وتعد الأخطاء، مما ساهم وكرد فعل على هذا النوع من ‏التهميش والتحدي في تمرد الموظف وتلاعبه بالنظام وتعطيله المتعمد لمصالح الناس، ‏وهذا بلا شك رد فعل طبيعي على سياسة سلبت من هذا الموظف إنسانيته وأهدرت ‏كرامته.‏

     ولا يمكن بأي بحال من الأحوال إصلاح هذا الوضع إلا من خلال إعادة برمجة لتلك ‏العقليات القيادية المتخلفة وصياغتها بطريقة تضمن تفاعلها مع كل تجديد وتطوير في ‏علم الإدارة، لكي تتحول إلى قيادات ناجحة تتمكن من تفعيل جميع الطاقات التي ‏تحت مسؤوليتها وتوجيهها نحو مزيد من الانجاز والإبداع عبر منظومة من الأساليب ‏الإدارية الحديثة القائمة على احترام إنسانية الموظف وحفظ كرامته والتعامل معه كشريك ‏لا كأجير.‏

اترك تعليقاً