ديوان أوقاف الصوام بأُشَيْقِر

بسم الله الرحمن الرحيم

ديوان أوقاف الصوام بأُشَيْقِر

     بلدة أُشَيْقِر تلك البلدة الصغيرة في حجمها الكبيرة في أثرها القابعة في منطقة الوشم بوسط إقليم نجد، تمثل عبر تاريخها الطويل شامة بين المدن النجدية كمركز علمي، ومخزن وثائق تاريخية، وأوقاف خيرية وذرية.

اشتهرت أُشَيْقِر بكثرة وقِدَمِ أوقافها وذلك نتيجة للحركة العلمية التي ظهرت فيها ‏والتي تعود إلى ما قبل ‏القرن الثامن الهجري، ‏‏الرابع عشر الميلادي وساهمت في زيادة الوعي المجتمعي ‏بأهمية ‏التكافل الاجتماعي وضرورته لبقاء المجتمع وتماسكه مع ما فيه من الأجر والثواب ‏العظيم، وكان الوقف أحد أهم صور تحقيق قيمة التكافل بين المسلمين، فتسابق الناس في هذا الميدان فانتشرت الأوقاف وتنوعت ‏وشملت جميع مناحي الحياة واحتياجات المجتمع، ووصل اهتمام أهل أُشَيْقِر بالأوقاف انك لا تكاد تجد بستانا إلا وبه جزء موقوف أما ‏أرض أو نخل أو أثل سواء وقفا عاما أو ذريًا.‏

 وقد تنوعت الأوقاف وشملت جميع مناحي الحياة واحتياجات المجتمع، والثابت اليوم حسب المصادر المتوفرة أن أول وصية وقفية مؤرخة في منطقة نجد هي وصية صَبِيح([1]) سنة ( 747 ه- 1346م)، ثم وقفية بسام بن منيف([2])، ووقفية محمد بن بكر([3])، وكلاهما في مطلع القرن التاسع الهجري- نهاية القرن الرابع عشر ميلادي-، ثم وصية صقر بن قطام ([4]) المؤرخة في سنة (942 ه-  1535م)، ووقف مكتبة الشيخ حسن بن علي بن بسام (945 ه –  1538م)،  ثم وصية رميثة بن قضيب([5]) المؤرخة في (986 ه –  1578م)، ووقف أبناء أحمد بن إسماعيل المؤرخ في سنة (1017 ه –  1608م).

وجاءت الأوقاف على نوعين فمنها أوقاف عامة، وأوقاف خاصة (ذرية)، أما الأوقاف العامة فقد تنوعت أصولها لتمثل شكل الحياة والمناشط الاقتصادية في البلد فمنها الأصول الثابتة وأغلبها الأراضي الزراعية، وبساتين النخيل، والآبار والأصول المنقولة وأغلبها من مستلزمات الحياة اليومية مثل: المصاحف والكتب، أدوات الحرث والزراعة، أدوات الري، وأدوات الطبخ (قدور، مقارص، رحا)، الموازين وأدوات الكيل كالصاع والمد، ..الخ، وتنوعت مصارفها لتغطي جميع احتياجات المجتمع بكل فئاته (التعليم، وعمارة المساجد وصيانتها، والاطعام، والعلاج، وإضاءة الطرق، والاكفان ومستلزماتها من لِبْنٍ وخوص، وتفطير الصوام في رمضان وغيره، وإصلاح الجسور والطرقات والجُدر، وسقيا الماء للأفراد والمزا رع مع مستلزماتها من الدلاء والقرب وغيرها من الأدوات، ومستلزمات الأمن كبناء وصيانة أبراج المراقبة، واعتاق العبيد، ومستلزمات الطبخ كالملح والدهن وغيرها، وصيانة الأودية والشعاب وتنظيفها….الخ، وقد حضي تفطير الصوام في رمضان ومواسم الصوم الأخرى بحظ وافر من الأوقاف في أُشَيْقِر سواء كانوا فقراء أو أغنياء من أهل البلد أو من ‏خارجها، ووضع لأوقاف الصوام هذه وكيل([6]) يقوم عليها رعايةً وصيانةً ‏ومتابعةً وحفظ ثمرتها وتخزينها لتفطير الصوام وذلك في المساجد المشهورة بأُشَيْقِر  كالجامع الكبير، ‏ومسجد الفيلقية، ومسجد الشمال، وقد جمع أغلب هذه الأوقاف المخصصة للصوام في ديوان سمي بديوان ‏أوقاف الصوام بأُشَيْقِر .‏

ومما ميز الأوقاف في أُشَيْقِر  أن الكثير منها نص فيه الواقفون على تعطيل جميع مصارف الوقف في حال أصاب الناس مجاعة عامة وتوجيه الغلة كلها لمواجهة هذه المجاعة، بل إن بعض الأوقاف خصصت فقط لمن وصل بها الحال الى مرحلة متقدمة من الجوع أصبح بسببها يجول في الطرقات ليلا ويصيح بأعلى صوته من شدة الجوع ليتساقطون هلكى عند أبواب البساتين والبيوت وفي الطرقات، ولم تغفل الأوقاف عن الفئات الأكثر تعففا والتي يمنعها الحياء أو العجز عن الوصول الى أماكن الطعام الموقوف فجاءت بعض الأوقاف بتخصيص جزء من ريعها للنساء اللاتي يشتهين الطعام ويستحين أن يخرجن للحصول عليه، والمرضى المقعدين في بيوتهم.

أما الأوقاف الخاصة بالذرية فقد حظيت باهتمام كبير من أهل أُشَيْقِر  وكان لها دور كبير في حماية الاسر ‏من الفقر جيلا بعد ‏جيل فكانت تتضمن بعد استراتيجي اذا لو تركت إرثا لتفتت هذه الأملاك بين الورثة ‏وانعدم أثرها، كما كان لبعض هذه ‏الأوقاف دور في منع الهجرة من البلد حيث جاء في بعضها أنها وقف ‏على من سكن في أُشَيْقِر ، ومن خرج منها فليس له ‏شي حتى يرجع إليها، ونتيجة لكثرة الأمراض والوفيات التي كانت تجتاح المجتمعات الريفية والتي تسبب في هلاك الكثير من الأفراد بل ‏وتنقرض بسببها ‏الأسر فقد حرص الواقفون لضمان استمرار نفع أوقافهم ودوام أجرها على جعل مصرف ‏أوقافهم الذرية في حال انقراض ‏الذرية على الفقراء والمساكين.‏

 ومع تعدد الأوقاف بأُشَيْقِر وتنوعها فقد قام بعض علماء أُشَيْقِر بمحاولة حصر هذه الأوقاف وجمعها في ديوان مستقل، وأول من انبرى لذلك الشيخ محمد بن عبد اللطيف الباهلي (ت 1278هـ)([7])، الذي كتب ديوانًا جمع فيه جملة ما في أُشَيْقِر من الأوقاف، قال في مقدمته: (بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله، إثبات خير إن شاء الله تعالى، يعلم الواقف على ذلك والسامع له أن خواص البلد سألوني أن أكتب لهم جملة ما في البلد من الأوقاف فأجبت، واستعنت بالله، فإنه نعم المولى ونعم النصير) ([8])، وقد صادق على صحة ما في الديوان قاضي بلدان الوشم، ثم الرياض الشيخ محمد عبد اللطيف آل الشيخ في سنة 1334هـ ([9])، وقد زاد على هذا الديوان الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عامر (ت1356 هـ) ما عثر عليه من وقفيات وما استجد من أوقاف أخرى بعد التدوين الأول([10])، ورغم احتواء هذا الديوان لوثائق أوقاف كثيرة ومتنوعة بلغ عددها سبعًا وستين وثيقة، إلَّا أن أوقاف الصوام قد استحوذت على أكثره فاشتهر باسم: ديوان أوقاف الصوام بأُشَيْقِر‏، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الديوان لم يستوعب جميع وثائق الأوقاف بأُشَيْقِر‏، حيث يوجد الكثير من الوثائق مازال محفوظًا عند عدد كبير من الأسر.

ولهذا الديوان أكثر من نسخة([11])، وبين هذه النسخ اختلاف في عدد الوثائق، وترتيبها، والرسم الإملائي لبعض كلماتها، ومن أشهر هذه النسخ: نسخة آل عياف وهي محفوظة لدى ورثة عبدالله بن عبدالعزيز بن عياف رحمه الله، نُقِل أغلب ما تضمنته من وثائق بخط الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر، وتتكون من دفترين:

     الدفتر الأول: عدد صفحاته 116 صفحة، وقد كُتِب على الصفحة الداخلية للغلاف الأمامي العبارة التالية: “هذا الدفتر لعيال عبدالله بن سليمان بن عياف، قاله كاتبه إبراهيم بن صالح بن عيسى([12])“، كما كتبت العبارة نفسها على الصفحة الداخلية للغلاف الخلفي بدون ذكر اسم الكاتب، ومقاس صفحات هذا الدفتر 10.17×17سم، وعدد الوثائق التي تضمنها هذا الدفتر: 74‏ وثيقة، منها 67 وثيقة وردت في الدفترين (1، 2)، وسبع وثائق انفرد بها الدفتر رقم 1، وبلغ عدد الوثائق التي نقلها الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر بخطه 54 وثيقة.

الدفتر الثاني: عدد صفحاته 167 صفحة، في مجموعتين، المجموعة الأولى تتضمن عددا من الوثائق مرقمة من 1-144، والمجموعة الثانية تتضمن وثيقة واحدة تمثل تاريخ محمد بن يوسف، وهي مرقمة من 1-23، ومقاس صفحاتها 12.5×17سم، وقد كُتِب على الصفحة الداخلية للغلاف الأمامي العبارة التالية: “مل([13]): عبدالله بن سليمان بن عياف بن محمد في سنت واحد …….. ([14])“، وعدد الوثائق التي تضمنها هذا الدفتر: 114 وثيقة، منها 67 وثيقة وردت في الدفترين (1، 2)، و47 وثيقة انفرد بها الدفتر رقم 2‏، وبلغ عدد الوثائق التي نقلها الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر بخطه 79 وثيقة.

كتبه

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السماعيل

أشيقر

17/11/1441ه


([1]( صبيح مولى وعتيق عقبة بن راجح بن عساكر بن بسام، عاش في أواخر القرن السابع وأول القرن الثامن الهجري في بلدة أُشَيْقِر، اشتهر بصلاحه وتقواه ‏فاعتقه سيده فتفرغ للعبادة والكسب وصار له عقار وضياع منها بستان يعرف الآن بحائط صبيح في أُشَيْقِر أوقفه لله تعالى ليصرف ريعه على أعمال البر ‏والخير، وللاستزادة انظر كتاب: آل بسام، عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح (1419ه)، علماء نجد خلال ثمانية قرون، ج2 ، الطبعة الثانية، ص 558 ” بتصرف”، ‏وكتاب: عبدالحليم بن عبدالعزيز مازي (1404ه)، وقف صبيح في أُشَيْقِر ‏منذ عام 747هـ، من منشورات مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، متاح على الرابط: ‏https://goo.gl/TKF8K1‎، بتاريخ 10/3/1441ه.‏

([2]( م بسام بن منيف بن عساكر بن بسام بن عقبة بن ريّس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب الوهيبي الحنظلي التميمي، وهو الجد الجامع لأسر: الخراشي، والحصيني، والقاضي، وغيرهم، وللاستزادة انظر كتاب: البسيمي، عبد الله بن بسام (1421ه)، العلماء والكتاب في أُشَيْقِر خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، ج1، ص 17، ولم يقف الباحث على أي دراسة لهذه الوثيقة.

([3]( وهو محمد بن بكر بن عتيق بن حبر بن نبهان بن سرور بن زهري بن جراح الثوري السبيعي العامري ، جد أسرة آل إسماعيل بأُشَيْقِر، له عدة أوقاف بأُشَيْقِر جَعل ‏مصرفها ‏على ذريته المقيمين في أُشَيْقِر فقط.‏

([4]( صقر بن قطامي بن ‏صقر ، عاش في القرن العاشر الهجري، أوقف جميع أملاكه في أُشَيْقِر ‏على أهل أُشَيْقِر ‏سنة 940ه، ووثق ذلك كتابيًا سنة 942ه بخط طلحة بن حسن بن علي بن عبدالله بن بسام،  ولم يقف الباحث على ترجمة له، وللاستزادة أنظر كتاب: : إبراهيم بن محمد السماعيل (1441ه)، وثيقة وقف صقر بن قطامي -قراءة تحليلية-، من منشورات مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف.‏

([5]( رميثة بن قضيب أولاد جبر، عاش في القرن العاشر الهجري، أوقف بعض أملاكه وجعل حكمها في الأكل حكم وقف صبيح، ولم يقف الباحث على ترجمة له.

([6]( لمعرفة أسماء وكلاء أوقاف الصوام انظر: كتاب: البسيمي، عبد الله بن بسام (1421ه)، العلماء والكتاب ‏في أُشَيْقِر خلال القرنين ‏الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، ج1، ص 235.‏

[7] – محمد بن عبداللطيف الباهلي إمام جامع أُشَيْقِر ‏ في وقته.‏

[8] – البسيمي، عبد الله بن بسام (1421ه)، الكتاب والعلماء في أُشَيْقِر ‏ خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، الجزء الأول، ص 332. ‏

[9] – البسيمي، عبد الله بن بسام (1421ه)، الكتاب والعلماء في أُشَيْقِر ‏ خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، الجزء الأول، ص 332. ‏

[10] – البسيمي، عبد الله بن بسام (1421ه)، الكتاب والعلماء في أُشَيْقِر ‏ خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، الجزء ‏الأول، ص 24.

([11]( أصل هذا الديوان بخط الشيخ محمد بن عبداللطيف الباهلي كان موجودًا حتى عام 1382 ‏لدى وكيل الصوام. انظر كتاب: البسيمي، عبد الله بن بسام (1421ه)، العلماء والكتاب ‏في أُشَيْقِر خلال القرنين ‏الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، ج1، ص 24.‏

([12]( إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن عيسى: هو الشيخ المؤرخ النسّابة إبراهيم ين صالح بن إبراهيم بن محمد بن عبدالرحمن بن حمد بن عبدالله بن عيسى، ولد سنة 1270هـ في ‏أُشَيْقِر، ونشأ في جو ديني وعلمي، وحفظ القرآن الكريم صغيرًا عن ظهر قلب، وأخذ ينهل من العلوم وهو في صغره، وتتلمذ على العديد من العلماء، واشتهر رحمه الله ‏بعلمه في التاريخ والنسب وكثرة كتابته في هذين العلمين، وقد ورّث تراثًا ضخمًا من الوثائق والكراريس المدوّنة، توفي رحمه الله في عنيزة عام 1343هـ، نقلًا عن ملتقى ‏أهل الحديث، متاح على الرابط: ‏https://bit.ly/2Bzor0S، تاريخ الاطلاع: 8/6/1440ه، الساعة 10م.‏

([13]( سياق نص العبارة يوحي بأن النص الحقيقي لهذه الكلمة هو: (ملك).‏

([14]( بقية العبارة غير واضحة.‏

هذا المقال يحتوي على تعليق واحد

اترك تعليقاً