الوقف والصدقة الجارية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الوقف والصدقة الجارية

سُنةَ الوقف سنةً خيرية امتاز بها المجتمع المسلم تؤكد على المدى الذي وصل إليه المسلمون في تحقيق ‏الأمن ‏الاجتماعي التكافلي حيث أسهم مع غيره من التشريعات الإسلامية في إرساء أمنهم الثقافي والروحي والأخلاقي، ويمثل الوقف معلمًا بارزًا في حضارتنا ‏الإسلامية، ومفخرة من مفاخر هذه الأمة، أسهم بدور كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ‏للمجتمعات ‏الإسلامية، وفتح المجال لتطبيق قيمة التكافل بين المسلمين واقعًا عمليًا، فتسابقوا في بذل المعروف وفعل الخيرات ‏على ما ‏كان بهم من فاقة وحاجة حتى لا تكاد تخلو بلدة من بلدان المسلمين من أوقاف متنوعة غطت معظم ‏مناحي الحياة واحتياجات المجتمع، ‏مستشعرين قوله تعالى في وصف الأنصار رضي الله عنهم: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى ‏أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ ‏هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر: ٩، وقول رسولنا الكريم ‏صلى الله عليه وسلم (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) أخرجه مسلم.

والوقف وهو أحد مفاخر الحضارة الإسلامية، وثالث ثلاثة أعمال لا تنقطع بالوفاة هو شعيرة من أعظم الشعائر المالية في الإسلام، عاد وَهَجُهُ إلى الساحة التنموية في السنوات الأخيرة، وتفاعلت المجتمعات الإسلامية مع فكرته وأثره التنموي، وتسابق المحسنون نحو ميدانه متنافسين في الخير فتفيئت المجتمعات ظلاله وثمرته.

وللوقف خصائص وسمات فريدة تميزه عن غيره من الأنظمة والتشريعات، ويتلخص مفهومه عند جمهور الفقهاء: بأنه حبس العين على حكم ملك الله تعالى، والتصدق بالمنفعة على جهة من جهات البرّ، وهو أحد صور الصدقة الجارية التي ينعكس فيها منهج ديمومة الأجر والثواب الذي لا ينقطع بموت المتصدق‏، بمعنى أن كل وقف صدقة جارية ولا عكس، وقد جانب الصواب من ضيق مفهوم الصدقة الجارية واقتصرها على الوقف الذي هو بمفهومه الشرعي: حبس، ومنفعة، وبالتالي فمن لا وقف له استقلالًا أو مشاركة فليس له حظ ولا نصيب في الصدقة الجارية، كما جانب الصواب من توسع في مفهوم الوقف وجعل كل صدقة جارية وقفًا، حتى لو لم تنطبق عليها أحكام وأوصاف الوقف الشرعي.

وفي العموم فمن حيث الأجر والثواب فلا فرق بين الوقف والصدقة الجارية فكلاهما عمل مستمر وأجر لا ينقطع، وإنما الفرق بينهما في المصطلح فلا يكون وقفًا إلا ما كان محققًا لشروط الوقف من وجود أصلٍ محبوس (مالٌ متقوم) ذا نفع مستمر، وما عدا ذلك من أعمال صالحة لها صفة الديمومة دون أن يكون لها أصل عيني محبوس فهي صدقة جارية، فتعليم القرآن الكريم للطلاب تلاوة، أو حفظًا، وتعليم العلم الشرعي، يبقى صدقة جارية لمن علّم، لكنه لا يسمى وقفًا بالمصطلح الشرعي لعدم وجود الأصل المحبوس، ويقاس على ذلك الولد الصالح، والسُنة الحسنة التي يُحييها المسلم، وتأسيس الأعمال الخيرية كالجمعيات الخيرية، وغير ذلك من الأعمال الصالحة ذات الأجر المستمر. 

كتبه

إبراهيم بن محمد السماعيل

27/7/1442

اترك تعليقاً