المؤسسات الخيرية وذهنية رجل الإطفاء

     يتساءل الكثير من المهتمين بالعمل الخيري عن الدور الذي يمكن أن تسهم به الجمعيات ‏والمؤسسات الخيرية في دعم جهود الدولة في تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع، ويطلق ‏البعض التهم على هذه المؤسسات في أنها تقتصر في عملها على سد الحاجات اليومية ‏الضرورية للأسر الفقيرة، وتتجاهل البرامج والمشاريع التنموية التي تساهم في إغناء هذه ‏الأسر الفقيرة وتحويلها إلى أسر منتجة مكتسبة.‏

     والراصد لنشاط هذه الجمعيات يدرك صحة هذا القول والذي جاء نتيجة ضعف ‏التفاعل بين رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال من جهة، والجمعيات الخيرية من ‏جهة أخرى، ومن المعلوم أن نشاط الجمعيات الخيرية يقوم بالدرجة الأولى على ما تتلقاه ‏هذه الجمعيات من دعم من أفراد المجتمع عامة وأصحاب رؤوس الأموال بشكل خاص.‏

     ومع تنامي الفقر والبطالة وتزايد أعداد المستفيدين من هذه الجمعيات، وسلبية ‏وإحجام أصحاب رؤوس وعدم شعورهم بالمسؤولية تجاه إخوانهم الفقراء، أصبح ‏القائمون على هذه الجمعيات في سباق مع الزمن لتأمين الاحتياجات الضرورية جدا لهذه ‏الأسر الفقيرة، وأصبحوا يعملون بذهنية رجل الإطفاء الذي تنتهي مهمته عند إطفاء ‏الحريق فقط، ليستعد لحريق آخر، وأصبح التفكير في تطوير عمل هذه الجمعيات ‏وتبنيها لمشاريع تأهيلية وتنموية ضرباً من الخيال، وصدق عليها قول القائل:‏

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له**********   إياك إياك أن تبتل بالماء

     فالأفكار والخطط والبرامج موجودة ومجهزة ولكن ضيق ذات اليد، وقلة الدعم أعاق ‏تنفيذ هذه البرامج والمشاريع الإستراتيجية وساهم في تحجيم نشاط هذه المؤسسات.‏

     والحقيقة أن سلبية رجال العمال وأصحاب رؤوس الأموال تجاه دعم جهود الدولة لمحاربة ‏الفقر والتخفيف من آثاره ، قضية تحتاج  إلى نقاش كبير وعلى مستويات عليا ، فمن ‏خلال رصد لعدد كبير من الجمعيات والمؤسسات الخيرية  في المملكة وجد أن الداعمين ‏الرئيسيين لهذه  المؤسسات والجمعيات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ، في بلد يوجد به (‏وكما ذكر الأستاذ عبدا لله القفاري) نحو 78 ألف شخص يملكون مالا يقل عن 241 ‏مليار دولار ، أي أكثر من 904 مليار ريال سعودي، زكاتها السنوية لا تقل عن 22.5 ‏مليار ريال ، فأين هم هؤلاء الأثرياء الذين بنوا أمجادهم وثرواتهم من خير هذه البلاد ‏المباركة، أين هؤلاء الأثرياء من رد الجميل لدولتهم ولمجتمعهم، ولماذا يحجمون عن ‏المساهمة والبذل في وقت تزداد الحاجة إلى دعمهم وبذلهم، لماذا تخلوا عن الجمعيات ‏والمؤسسات الخيرية  وتركوها تصارع من أجل البقاء، أين زكواتهم وصدقاتهم، أين ‏مساهماتهم الاجتماعية في علاج مشكلة الفقر والبطالة في المملكة، أين جهودهم في دعم ‏استراتيجية المملكة للحد من ظاهر الفقر، أسئلة كثيرة ومحيرة تحتاج إلى مزيد من ‏البحث والدراسة.‏

     إن بقاء الجمعيات والمؤسسات الخيرية ونموها وتطورها مرهون بعد توفيق الله بوقوف ‏أصحاب رؤوس الأموال معها ودعمها ومساندتها من خلال مشاريع استثمارية كبيرة ‏وطويلة الأجل، تضمن بقاء هذه الجمعيات ومشاركتها الفعالة في التنمية الاجتماعية، ‏إن أصحاب رؤوس الأموال ومن خلال ثقتهم بهذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية، ‏ودعمهم اللا محدود لبرامجها ومشاريعها قادرين بمشيئة الله على المساهمة في تطوير ‏هذه الجمعيات ورقيها وتوجيهها لتحقيق رسالتها.‏

     كما أن رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال مطالبين أيضا بالمساهمة وبشكل أكثر ‏جدية في دعم مشاريع الدولة وفقها الله للحد من ظاهرة الفقر والبطالة من خلال ‏توجههم نحو إنشاء مؤسسات خيرية خاصة بهم تشرف على أعمالهم الخيرية، وترصد ‏لها ميزانيات سنوية ثابتة يمكن من خلالها تبني مشاريع خيرية تنموية ذات بعد ‏استراتيجي كالجامعات الخيرية، والمستشفيات، ودور الإيواء، والمجمعات السكنية، ‏والمصانع، ومراكز التدريب وغيرها، مع التأكيد على ضرورة وجود أوقاف خاصة بهذه ‏المشاريع تضمن استمرارها واستقرارها.‏

وأخيراً فإن عقلية رجل الإطفاء السائدة في الكثير من الجمعيات والمؤسسات الخيرية ما ‏هي إلا حالة اُكرهت عليها هذه الجمعيات نتيجة ضعف مواردها المالية وعدم تفاعل ‏أصحاب رؤوس الأموال معها، وهي مرحلة نرجو أن تكون مؤقتة، وتتحدد مدتها بمدى ‏قناعة رجال الأعمال بهذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية وثقتهم برسالتها وأهدافها.‏

اترك تعليقاً