المؤسسات الخيرية بين التخصص والتوسع

    تعاني بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية من بعض الاجتهادات الفردية التي يقدم عليها بعض ‏المنتسبين لهذه المؤسسات عن حسن قصد ونية والتي يكون لها في الغالب آثاراً سلبية على هذه ‏المؤسسة بشكل خاص وعلى العمل الخيري بشكل عام وخاصة لدى تلك الفئات التي تعاني من ‏ظاهرة التعميم، ومن أبرز تلك الاجتهادات عدم الالتزام بطبيعة عمل هذه المؤسسات والمجالات ‏التي أنشئت لأجلها والتوسع في ذلك لتشمل مجالات أخرى لم تنشأ هذه المؤسسة الخيرية في ‏الأصل لأجلها كأن تدرج مؤسسة تهتم بالزواج مثلاً ضمن مناشطها بناء المساجد والإشراف على ‏حلقات لتحفيظ القرآن الكريم أو غير ذلك مما هو خارج تخصصها، أو أن تتسع دائرة خدمات ‏هذه المؤسسة لتصل إلى قطاعات بعيدة عنها تدخل ضمن نطاق مؤسسة خيرية أخرى، وهذه ‏الاجتهادات تعتبر من الأخطاء التي يجب أن يتنبه إليها القائمون على هذه المؤسسات الخيرية ‏فالتبرعات المالية التي وصلت لهذه المؤسسات أريد بها أن تصرف في مجال محدد مسبقاً وهو ما ‏أنشئت المؤسسة من أجله، كما أريد لها أن تصرف في داخل نطاق هذه المؤسسة، وبالتالي فإن ‏نقل هذه التبرعات من مصرف إلى أخر أو صرف هذه المبالغ خارج نطاق عمل هذه المؤسسة ‏يعطي مؤشرا على سوء الإدارة بهذه المؤسسة وخاصة عندما نعلم أن لدى هذه المؤسسة عجز مالي ‏كبير في تغطية المجال والقطاع الذي تعمل به، كما أن من شأن ذلك أن يخفض مستوى الثقة ‏بين المتبرع وهذه المؤسسة الخيرية، بالإضافة إلى ما سيترتب عليه من تداخل في الاختصاصات ‏والقطاعات مما سيولد نوعاً من سوء العلاقة بين المؤسسات الخيرية يعود تأثيره على مستوى أداء ‏هذه المؤسسات، ونظرا للمسؤولية العظيمة الملقاة على كاهل هذه المؤسسات وما ينتظر منها في ‏تخفيف معاناة الناس فإنها مطالبة بمزيد من الضبط المالي والإداري والعمل بمبدأ التخصص بعيدا ‏عن العشوائية والفوضوية، وألا تتجاوز في نشطها النطاق الجغرافي الذي صرح لها بالعمل خلاله، ‏ولا يعتبر ذلك نوعاً من التضييق أو التحجير على العمل الخيري أنما هو وسيلة للرقي به وبأدائه ‏وتنظيم عمله ليعطي مخرجات متميزة تتماشى مع أهداف هذه المؤسسات وتحقق الغايات التي ‏أنشئت من أجلها، وقد يرد على هذا الرأي قول معارض بحجة وجود فرص لبعض المؤسسات ‏للتوسع في مجال الخدمات أو في المجال الجغرافي وأن هذه الفرص سوف تتعطل في حال العمل بهذا ‏الرأي، وأعتقد أن هذا القول وإن كان فيه شيء من الوجاهة في المنظور القريب إلا أنه في المنظور ‏البعيد سيكون له نتائج سلبية حيث تتشبع المهام وتتكاثر الفرص وتتوزع الطاقات فتسير هذه ‏المؤسسات على غير هدى فيكون الفاقد من هذه الفرص أكثر من المستثمر وهذا يتصادم مع ‏الطموحات الكبيرة التي تسعى إليها هذه المؤسسات لتصل بأدائها إلى مستوىً من الجودة يحقق لها ‏حضورا متميزا في الساحة ويرفع من ثقة المتبرعين والمتعاونين بها ويمكنها من تحقيق نتائج ايجابية ‏ذات فاعلية عالية.

اترك تعليقاً