يتساءل الكثير من المهتمين بالعمل الاجتماعي عن الدور الغائب للقطاع الخاص تجاه القضايا الاجتماعية، حيث تقتضي ضرورات المجتمع الحديث أن يشارك أفراده ومؤسساته الخاصة بتقديم خدمات اجتماعية متعددة المجالات والمستويات كمشاركة فاعلة منهم في بناء المجتمع وتنميته انطلاقاً من مبدأ المواطنة والشراكة الاجتماعية التي باتت لزاماً في كثير من المجتمعات على سبيل المنفعة المتبادلة أو الالتزام الأخلاقي. ولتعديل نظرة المنة والكرم التي ما زالت سائدة لدى بعض الشركات والمؤسسات عند دعمها المحدود للمؤسسات والجمعيات الخيرية أو تنفيذها لبعض البرامج الاجتماعية أو التنموية المحدودة، والتي ينحصر أغلبها في المساهمات الاجتماعية في التبرعات المادية المتبعثرة ورعاية المنتديات والمؤتمرات التي تُحتسب ضمن بنود الدعاية والترويج الإعلامي لهذه الشركات، لقد كثر الحديث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات ومؤسسات القطاع الخاص، والذي يشير إلى الواجبات الاجتماعية عليهم تجاه مجتمعهم دون منّة أو تفضّل، والمتمثلة في قيام القطاع الخاص بتقديم خدمات اجتماعية مباشرة أو غير مباشرة تجاه المجتمع دون انتظار قدوم المجتمع معه لحثه على القيام بها، فأبجديات القيم الأخلاقية تفرض على القطاع الخاص التفاعل الإيجابي مع مسؤولياته وواجباته الاجتماعية والوطنية.
وبقراءة لمستوى المسؤولية الاجتماعية لنسبة كبيرة من الشركات يتضح أن هذا المستوى ما زال متدنياً جداً، خاصة إذا قارنا هذه المشاركة بنسبة الأرباح السنوية الخيالية التي تحصدها هذه الشركات من ثروات المجتمع المحلي، وتلك المزايا التي تتمتع بها في هذه البلاد، أو قارناها بمثيلاتها من الشركات والمؤسسات في دول أخرى.
والحقيقة أن القطاع الخاص بمؤسساته وشركاته مطالب بقائمة كبيرة من المشاركات الاجتماعية كمحاربة الفقر، والبطالة، والمشاريع التنموية، وتحسين الخدمات الصحية، ومكافحة التلوث، ومراكز البحوث والدراسات، وحل مشكلة الإسكان… إلخ ويجب عليه شرعاً وأدباً وعرفاً الالتزام بهذه المشاركات والتي تعطي لهذه المؤسسات والشركات نوعاً من الرضا الذاتي والمجتمعي وتمكنها من العمل على تطوير المجتمع والارتقاء به علمياً وفكرياً وصحياً وتنموياً. كما ستسهم في زيادة ربحية هذه المؤسسات والشركات ونمو عائداتها المالية بشكل قد لا يتصوره القائمون على هذه الشركات.
يجب أن يتحمّل القطاع الخاص المسؤولية كاملة وألا يحمّل الدولة وحدها مواجهة تلك المشاكل الاجتماعية الكثيرة التي قد تؤثِّر بشكل أو بآخر في مجريات الحياة الاقتصادية والتنموية في المملكة العربية السعودية.
ومع إشارتنا إلى أن المساهمة الاجتماعية للشركات والمؤسسات ودعم عجلة التنمية واجب شرعي وضرورة وطنية، فإن هذا لا يعني توجيه المسؤولية كاملة لهذه الشركات والمؤسسات، بل لا بد من قيام المجتمع بمختلف مؤسساته وبخاصة الحكومية بتقديم الحوافز التشجيعية للشركات والمؤسسات الرائدة في تحقيق المسؤولية الاجتماعية بدافع ذاتي نابع من الالتزام لا الإلزام، ومن أمثلة هذه الحوافز التسهيلات الإدارية والقانونية، وإعطاؤها الأولوية في المناقصات، وغير ذلك من الأمور التي تميّز هذه الشركات والمؤسسات عن غيرها ممن يأخذ دون عطاء، ويقع العبء الأكبر في دفع وتحفيز مؤسسات القطاع الخاص إلى المساهمة الاجتماعية على الغرف التجارية التي يجب أن تقوم بدورها من خلال نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص، وجعل هذه المسؤولية في قائمة أولويات الشركات والمؤسسات الخاصة، وذلك من خلال الندوات والمحاضرات والبرامج والمطبوعات والنشرات التوجيهية وغير ذلك من الوسائل، بالإضافة إلى تشريع أنظمة تساعد في تمكين القطاع الخاص من القيام بمسؤولياته الاجتماعية، ويمكن للغرف التجارية بث مجموعة من الحوافز التي من شأنها دفع القطاع الخاص لهذه المشاركة وتحمّله لمسؤوليته الاجتماعية ويقترح في ذلك التعريف الإعلامي بالمؤسسات والشركات التي قطعت شوطاً في مساهمتها الاجتماعية، ووضع جائزة سنوية لأكثر المؤسسات تحقيقاً لهذه المشاركة. كما يقع على عاتق الغرف التجارية مسؤولية تعريف القطاع الخاص بالبرامج التي تكتسب أولوية قصوى من حيث حاجة المجتمع إليها كبرامج التنمية الاجتماعية، والثقافية والبيئية والصحية والاقتصادية وغيرها من البرامج، وتهيئة جميع السبل الكفيلة بتذليل العقبات التي قد تعيق مساهمة القطاع الخاص في مسؤوليته الاجتماعية والتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة في ذلك. في ظل هذا النمو الكبير الذي يشهده القطاع الخاص بما في ذلك الانفتاح الكامل على الاستثمار الأجنبي والتسهيلات التي تقدّمها الدولة للقطاع الخاص فإننا نتوقّع أن يكون لإسهامات هذا القطاع الخاص أثر واضح وملموس في دفع عجلة التنمية وتحقيق المسؤولية الاجتماعية، ولعل ما قامت به بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص التي وعت مسؤوليتها الاجتماعية من إنشاء مؤسسات تنموية موجهة لتحقيق المساهمة التنموية ليعطي مؤشراً مشجعاً على تفاعل القطاع الخاص مع المجتمع واستجابته السريعة لتحقيق الدور المنتظر منه في دفع مسيرة التنمية، ويفتح المجال أمام الغرف التجارية والمؤسسات الحكومية لاستثمار وجود هذه المؤسسات التنموية، ودعمها بشكل يتناسب مع حجم مساهمتها التنموية ويكون حافزاً مشجعاً للشركات المتخلفة عن المساهمة للحاق بالركب.