شخصيات مُلهِمة: الداعية حسن بن صالح بن أحمد وجماعة الزاهدين _كمبوديا_.

بسم الله الرحمن الرحيم

الداعية حسن بن صالح بن أحمد

جماعة الزاهدين

تقع مملكة كمبوديا، التي عرفت سابقًا باسم “مملكة كمبوتشيا”، في جنوب شرق آسيا. تحدها تايلاند من الغرب والشمال الغربي، ولاوس من الشمال، وفيتنام من الشرق والجنوب الشرقي. وهي تطل على خليج سيام (خليج تايلاند) من الجنوب الغربي، يعيش في كمبوديا 16.95 مليون نسمة بحسب إحصاءات 1443هـ (2021م)، يتكونون من جماعات تشام والخمير؛ وهم أكثر الجماعات وتعرف لغتهم بالخميرية. إلى جانبهم يعيش جماعات التاي واللاو وبعض الماليزيين، وتصل نسبة المسلمين في كمبوديا لحوالي 6%، أي بلغ عددهم في عام 1443هـ (2021م)، أكثر من مليون مسلم ضمن 16.95 مليون نسمة هم سكان البلاد الذين يعتنقون البوذية كأغلبية. يتوزع المسلمون على 24 ولاية في كمبوديا، ويتركز أكبر عددٍ منهم في منطقة “تبونخ – خموم” في القسم الجنوبي من البلاد، وكذلك في المناطق الساحلية التي يعيش فيها المسلمون من أصول جاوية بشكل أخص.

وممن ينتسبن إلى الإسلام في هذه البلاد جماعة منحرفة تسمى باسم جماعة الزاهدين تتركز في محافظة كمبونج شنانج ويوجد المركز الرئيس لهم في قرية: أوريساي، وبها مفتيهم الأكبر الذي يتم تعيينه من الديوان الملكي الكمبودي، وينتشر أعضاء هذه الجماعة في ثلاث محافظات أخرى وهي: بات دامبونج، وبوسات، وكمبوط، ولهذه الجماعة وجود في دولة فيتنام في محافظة بانج رانج.

تنتمي هذه الجماعة إلى العرق التشامي، ومن الغريب أن هذه الجماعة لم يكونوا يعرفوا بهذه التسمية من قبل، بل كانوا يسمون بالفرقة التشامية الأصلية، وكانوا يوصفون بأنهم الذين يصلون في الأسبوع مرة واحدة، وأما هذه التسمية (الزاهدين) فقد شاعت بين الدعاة أولًا ثم انتقلت إلى غيرهم من مسلمي كمبوديا، يبلغ عدد أفراد هذه الجماعة في كمبوديا حوالي (100.000) مئة ألف نسمة تقريبًا، يغلب عليهم الجهل والفقر المدقع، وإن كانت هذه الجماعة تنتسب إلى الإسلام إلّا أنه انتساب صوري لا حقيقي، فمعتقداتهم وبدعهم وخرافاتهم وواقعهم يؤكد ذلك، ومن ذلك أن مساجد هذه الجماعة تختلف عن مساجد عامة المسلمين، فليس لمساجدهم مآذن كبقية المساجد، وليس لها محاريب، ويكون المنبر داخل المسجد مصنوع من الخشب، وتوضع على جوانبه خرقة بيضاء كبيرة، وتوضع الزينة الملونة على المنبر وبين سواري المسجد، ويمكن أن يقال أن مساجدهم أقرب في الشبة بمعابد البوذيين منها إلى مساجد المسلمين.

كتابهم المقدس يسمى (غيد)، فيه بعض السور القرآنية مكتوبة باللغة العربية على طريقتهم، مثل سورة يس، وسورة البينة وغيرها، وطريقة قراءة كتابهم غريبة وشاذة جدا، تنتشر بينهم المعتقدات الشركية وبشكل كبير فهم يعتقدون في القبور وقدرة الأموات على جلب الضر والنفع وشفاء المرضى وإنزال الغيث من السماء، كما يعتقدون بقدرة العرافين والكهنة على جلب الأرواح الطيبة وطرد الأرواح الشريرة، وتقام الحفلات عند العرافين والكهنة، ويختلط الرجال بالنساء، ويرقصون عند تقديمهم القرابين للجن.

لهم إمام مقدس اسمه (الحسن) مدفون في قرية جراء رميات، يزعمون أن فيه الولاية، وأنه يمشي على الماء، ويطوفون حول قبره ويستغيثون به، وقد زعم بعض أئمتهم أنهم رأوا رؤيا أن روحه موجودة في جبل أودنج، فنصبوا في هذا الجبل قبرًا آخر لروحه، وتحول هذا القبر لمزار دائم يقدمون عنده القرابين والنذور ويعقدون عنده الاجتماعات الموسمية ويأتون ويمسحونه بالأقمشة البيضاء التي يصنعون منها الأربطة التي توضع على اليد لتكون حرزًا من الشياطين والعيون الشريرة.

لا يعترفون بالصلوات الخمس ولا يقيمونها، بل يكتفون بصلاة واحدة في يوم الجمعة، ويستدلون بتركهم الصلاة أن صلاتهم بقلوبهم دائمة، ويقولون إن الصلوات الخمس ليست واجبة لمحمد وأمته، بل هي واجبة على الأنبياء الآخرين مثل صلاة الظهر لنبي الله إبراهيم عليه السلام، وصلاة العصر لنبي الله يونس، والمغرب لنبي الله عيسى، والعشاء لنبي الله موسى، والفجر لنبي الله آدم.

وأما صومهم في رمضان فلا يتجاوز ثلاثة أيام فقط، وبعضهم يصوم ثلاثة أيام من أوله، وثلاثة أيام من وسطه، وثلاثة أيام من آخره، وبعضهم إذا صام ابتعد عن الناس ومخالطتهم ومنع نفسه من الكلام معهم.

يرون أن جسم الانسان مقسم إلى عدة أجزاء ويجعلون كل جزء رمزًا لمكان شرعي، فاللعاب هو ماء زمزم، والقلب هو الكعبة، وغيرها من الخرافات.

ومع هذا الجهل والفقر أصبحت بيئتهم مهيأة لقبول الأفكار المنحرفة كالقاديانية الأحمدية، والشيعة الاثني عشرية، والحركات التنصيرية التي تتنافس فيما بينهم على استمالة أفراد هذه الجماعة لهم.

في هذه البيئة المنحرفة الغارقة في الجهل والفقر ولد حسن بن صالح بن أحمد عام 1980م، في قرية سرامومية في محافظة بات دامبونج بمملكة كمبوديا، وقضى طفولته بين أفراد هذه الجماعة، وكان من تدبير الله له أن كان والده معرضًا عن خرافات الجماعة غير مؤمن بها ولا متفاعل معها، فلما شبّ هذا الابن أرسله والده عام 1992م إلى إحدى قرى المسلمين لتعلم القرآن ومبادئ الدين في الكتاتيب، فكان أول طالب من أبناء الزاهدين يخرج للدراسة بعيدًا عن مجتمعهم، وفي عام 1995م قام بعض أهل الخير والإحسان ببناء مبنى صغير في قرية جراء رميات في محافظة كمبونج شنانج وهو عبارة عن غرفة واحدة لتكون مقرًا لتدريس أبناء الجماعة وتعليمهم مبادئ الدين الإسلامي في أوقات فراغهم من الدراسة الحكومية، فانضم هذا الشاب للدراسة بهذه المدرسة الصغيرة بتشجيع ودعم من الده، وبلغ عدد الطلاب الملتحقين بالدراسة في هذا المدرسة أربعين طالبًا جاؤوا من قرى مختلفة.

بعد فترة من الزمن تم ترشيح عددًا من هؤلاء الطلاب للدراسة في مدارس إسلامية خارج مدن الجماعة، فرُشح عدد منهم للدراسة في معهد أم القرى في كمبوديا التابع لأهل الخير والإحسان في قرية جروي ميتري، ورشح آخرون لمدارس أخرى ، وكان من نصيب هذا الشاب الذهاب للدراسة في جنوب تايلند في مدرسة الرحمانية فطاني في آخر العام وكان عمره حينذاك (15) خمسة عشر عامًا تقريبًا، وفي عام 2001م تخرج هذا الشاب من مدرسة الرحمانية فطاني بجنوب تايلند، ورجع إلى كمبوديا وعمره (21) واحد وعشرون عامًا وكان همه الأول والأخير العمل على انقاذ جماعته من تلك الانحرافات والبدع وهدايتهم إلى طريق الإسلام الصحيح، فبدأ نشاطه الدعوي الموجّه لجماعته فبدأ بأسرته فدعاهم للإسلام الصحيح فقبلوا بذلك واستجابوا لدعوته، ثم اتجه بدعوته إلى أقاربه فمنهم من قبل ومنهم من عارض ورفض، وأخذ في توسيع دائرة دعوته فبدأ بالتجول في قرى الجماعة والقاء المحاضرات والدروس واللقاءات على الخاصة والعامة من أفراد القبيلة فاستجاب له البعض وعارضه آخرون، بل وتم طرده من بعض القرى ومنعه من تبليغ دعوته، وكان أشد الناس عداوة له مفتي الجماعة الذي أصدر فتوى بمنعه من دخول القرى أو اللقاء بالناس.

في عام 2003م حصل الشاب حسن على منحة دراسية في المملكة العربية السعودية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكان أول طالب من جماعة الزاهدين يسافر إلى المملكة العربية السعودية للدراسة وطلب العلم الشرعي، فرح الشاب حسن بهذه المنحة وكانت فرحة والده وأسرته أكبر، ولذا عندما توجه إلى المطار للمغادرة إلى المملكة العربية السعودية زحف معه نحو المطار أعداد كبيرة من أفراد جماعته (الزاهدين) كبارًا وصغارًا ذكورًا وإناثًا يودعون بالأهازيج وعبارات الفرح.

وصل الشاب حسن إلى المملكة العربية السعودية وبالتحديد إلى العاصمة الرياض، والتحق فورًا بمعهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، واستغرق منه تعلم اللغة في هذا المعهد ثلاث سنوات ، بعدها التحق بكلية الشريعة عام 2006م وتخرج منها عام 2010م وعمره حينذاك (30) ثلاثون عامًا، فرجع الشاب حسن إلى بلادة يحمل عقيدة سليمة وعلمًا شرعيًا يؤهله لممارسة الدعوة على بصيرة، ونظرًا لكون الشاب حسن أحد أبناء كمبوديا القلائل الذين تعلموا اللغة العربية ودرسوا الجامعة في المملكة العربية السعودية فقد انهالت عليه العروض الوظيفية من المؤسسات الحكومية السياسية والتعليمية، وجاءته الإغراءات المالية بالمال والمنصب، ولكنه رفض كل هذه الإغراءات وقرر تحقيق حلمه وهدفه الأكبر الذي رسمه عندما كان طالبًا في مدرسة الرحمانية بفطاني بأن يعود بعد تخرجه من الجامعة لدعوة جماعته والعمل بينهم لإخراجهم من ظلمات الجهل والبدع إلى نور التوحيد والإيمان.

أصبح الشاب حسن شيخًا وداعية مؤهلًا لنشر الدعوة والتحذير من البدع والخرافات فبدأ مشروعه الدعوي الخاص بجماعته، فقام بدراسة مستفيضة لأحوال الجماعة واحتياجاتهم الدعوية والإغاثية والاجتماعية استغرقت عامًا كاملًا، وجد من خلالها أن أقصر طريق لدعوة جماعته وإخراجهم من الظلمات إلى النور يتمثل في التركيز على تعليم أبنائهم وتربيتهم، فقرر بناء مركز خاص بتعليمهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والعلوم الشرعية واللغة العربية، إضافة إلى العلوم التطبيقية المعاصرة، وسعى لتأسيس جمعية تهتم بأمور الدعوة لتكون هي والمركز منارة خير نبراس هدى لنشر العقيدة الإسلامية الصحيحة بعيدًا عن البدع والخرافات.
بذل الشيخ حسن جهدًا كبيرا في تأسيس الجمعية وبناء المركز، وسعى من خلال علاقاته بالدعاة والمحسنين من داخل كمبوديا وخارجها لجمع الأموال المطلوبة لإتمام البناء، وأطلق على الجمعية اسم: جمعية الهداية الخيرية وهي مسجلة رسمية لدى وزارة الداخلية الكمبودية، وعلى المركز اسم: مركز أبي بكر الصديق الإسلامي، وقام بتسجيله رسميًا لدى وزارة التربية والشباب والرياضة في كمبوديا.

في عام 2011 بدأت الدراسة في هذا المركز، وتم استقبال الطلاب من أبناء جماعة الزاهدين بداية من المرحلة المتوسطة ثم الثانوية، وبلغ عدد الطلاب في السنة الأولى 25 طالبا، وتوسع هذا المركز ليصل عدد الطلاب في عام 2023م إلى 200 طالب.

تخرجت أول دفعة من طلاب هذا المركز عام 2018 وكان عددهم 25 طالبًا، والتحق عدد منهم بالجامعات داخل كمبوديا والدول المجاورة، كما حصل البعض الآخرون على منح دراسية في المملكة العربية السعودية.

لم يقتصر نشاط هذا المركز على التعليم فقط، بل اتسعت دائرة أنشطته لتشمل الجهود الدعوية والإغاثية في مناطق وقرى جماعة الزاهدين، فتشكلت المجموعات الدعوية التي قامت بجولات دعوية متكررة في مناطق وقرى الجماعة يقدمون الإعانات والصدقات ويدعون الناس إلى الإسلام الصحيح ويعلمونهم العقيدة السليمة ويحذرونهم من البدع والشركيات فأثمرت بحمد الله هذه الجهود أعدادًا كبيرة من المهتدين الجدد فأصلح الله بهذه قرى كاملة اهتدوا إلى الإسلام، وقد ساهم -بعد توفيق الله- في نجاح الشيخ حسن وفريقه الدعوى أسباب وعوامل كثيرة كان لها دور كبير في التهيئة الأرضية المناسبة والمتقبلة لدعوته ومن أهم تلك المؤثرات قيام برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج في عام 2000م بترشيح عشرين حاكمًا وإمامًا من أئمة جماعة الزاهدين لأداء مناسك الحج، حيث كان هذا البرنامج  أول انطلاقة دعوية وأول نشاط دعوي موجه لحكام وأئمة هذه الجماعة، وكان له أثره البالغ في استمالة قلوبهم وتهيئتها لقبول الدعوة إلى الإسلام وترك البدع والخرافات.

كتبه

إبراهيم بن محمد بم إبراهيم السماعيل

1/3/1445ه

المصادر:

  • السيرة الذاتية للشيخ حسن بن صالح.
  • مقال د. خالد هنداوي في موقع الحوار اليوم عن جماعة الزاهدين.
  • مقابلة مع الأستاذ: عبدالرحمن المطوع لأمين المساعد لشؤون الدعم الفني والعلاقات العامة والإعلام بالرحمة العالمية منشور بجريدة الأنباء الكويتية لثلاثاء – 27 من صفر 1445 – 12 سبتمبر 2023 – العدد: 16876.

 

رابط المقال:

https://mega.nz/file/wKonVSCY#nlA6C7xmLWViDXokf-7r6nVEllHgN0AEm8658moLHh8

اترك تعليقاً