الجمعيات الخيرية بين الهدر المالي والتحديث الإداري

     يرتبط نجاح أي مؤسسة بوجود عوامل كثيرة لعل من أهمها توفر البيئة الوظيفية المحفزة للعمل ‏والإنتاج والتي تمكن الموظف من أداء عمله بكفاءة عالية يعود أثرها على جودة مخرجات المؤسسة ‏‏.‏

     والجمعيات الخيرية وهي مؤسسات قائمة مازالت الصورة الذهنية لبيئتها الوظيفية تتشكل من مبانٍ ‏قديمة متهالكة ، وموظفين من ذوي الرواتب المنخفضة ، مع ضعف تام في استخدام التقنيات ‏الحديثة ، وقد وُجِد في المجتمع من يغذي هذه الصورة الذهنية ، ويدعو إلى بقاء هذه الجمعيات ‏على هذا الوضع بحجة أن أي تطوير أنما سيكون على حساب المستفيدين من هذه الجمعيات ، ‏وسيكون من أموال المتبرعين الذين وثقوا فيها ، وتشكل اعتقاد راسخ لدى القائمين على هذه ‏الجمعيات بأن أي تغيير نحو التطوير سيواجه بمعارضة كبيرة من الداعمين لهذه الجمعيات ‏والمتعاونين معها بحجة أن ذلك هدر مالي من الخير أن بوجه لحاجة المستفيدين من هذه ‏الجمعيات، مما ساهم في تنامي الضعف الإداري لهذه الجمعيات والذي أثر بدوره على مساهمتها ‏في مواجهة مشكلة الفقر التي أنشئت هذه الجمعيات من أجلها ، بل وأصبحت هذه الجمعيات ‏في اعتقاد الكثير من أبناء المجتمع ملاذ لكل فقير عاطل عن العمل بدون النظر إلى قدراته ‏وإمكاناته ، ومستودع لكل قطعة أثاث تالفة أو جهاز حاسب متهالك  أو جهاز تكييف قد ‏انتهت صلاحيته .‏

     إن تَشكُّل مثل هذا الاعتقاد قد أثر بشكل سلبي على أداء هذه الجمعيات وأصبحت بيئة العمل ‏بيئة طاردة لكل موظف متميز، وأصبح مستوى الأداء المتهالك سمةٌ لمن تبقى من العاملين، ‏وشاعت الفوضى الإدارية وانعدمت الرؤية والأهداف والخطط.‏

     إن على الجمعيات الخيرية ولكي تحقق نجاحات متميزة أن توفر البيئة المناسبة التي تساعد على ‏تحقيق هذه النجاحات ، إن وجود مبان حديثة مجهزة بجميع الوسائل والتقنيات الحديثة التي من ‏شأنها توفير بيئة عمل متميزة ومنتجه لهو مطلب ضروري من كل جمعية خيرية ، يجب تغيير ‏الاعتقاد السلبي بأن عملية الصرف المالي على التطوير والتحديث هو عملية هدر مالي عشوائي ‏وتلاعب بأموال هذه الجمعيات ، وخاصة إذا قامت عملية التطوير والتحديث على خطط ‏إستراتيجية واضحة بعيدا عن البهرجة الإعلامية وتحقيق المصالح الشخصية ، إن الإنفاق المالي ‏المنظم والمدروس لتطوير مقرات الجمعيات الخيرية وتأمين جميع متطلبات العمل الوظيفي من ‏الأجهزة والتقنيات الحديثة ، مع وجود نظام رواتب جاذب للمتميزين لهو استثمار حقيقي لهذه ‏الجمعيات سيكون مردود واضحا في تحسن الأداء الوظيفي وجودته ، الذي سيعود بالتالي على ‏تقديم خدمات متميزة للداعمين تضمن تعظيم ثقتهم في هذه الجمعيات والقائمين عليها مما ‏سيثمر دعما كبيرا يغطي تلك المصاريف الإدارية ، كما أن تحسن الأداء وجودته سيكون أثره ‏ايجابياً على المستفيدين من هذه الجمعيات حيث سيضمن لهم خدمات راقية تحفظ لهم إنسانيتهم ‏وكرامتهم وتهيئ لهم السبل ليكونوا أفراداً فاعلين ومنتجين في مجتمعهم ، ومن هذا المنطلق وحتى ‏تكون عملية التطوير دائمة ومستمرة فإن على القائمين على شؤون هذه الجمعيات أن يُضمِنوا ‏ميزانياتهم السنوية بنوداً خاصة بالتطوير والتحديث ، وأن يتم دعم هذه البنود من خلال جمع ‏تبرعات خاصة بها ، والسعي لتأمين أوقاف مخصصة لهذا الشأن ، كما عليهم أن يولوا اهتماماً ‏خاصاً بالمرشحين للعمل في هذه الجمعيات من خلال تأمين رواتب محفزة وجاذبة لذوي ‏الكفاءات ، مع العمل على تطوير هذه الكفاءات من خلال برامج التدريب المستمرة وتوفير ‏الحوافز المادية والمعنوية التي من شأنها المحافظة على مستوىً راقٍ من الأداء والولاء .‏      كما أن على الداعمين لهذه الجمعيات والذين اتخذوا هذه الجمعيات وسيطاً بينهم وبين الفقراء ‏التنبه إلى أن عملية توزيع زكواتهم وصدقاتهم تتم عبر منظومة إدارية متكاملة لها احتياجاتها ‏ومصاريفها المالية الخاصة، وبالتالي فإن عليهم الحرص على ألا تكون تبرعاتهم محصورة فقط على ‏الفقراء ، وأن يضمنوا تبرعاتهم مصاريف إدارية تتناسب مع حجم تبرعاتهم .

اترك تعليقاً