احتضار الأخلاق

يتخيل للإنسان وهو يسير بسيارته وخاصة في أوقات الذروة أنه داخل حلبة مصارعة اختلط فيها ‏الحابل بالنابل، أو أنه بداخل غابة يفترس فيها القوي الضعيف، فالفوضى هي سيد الموقف، ‏والنفوس مشحونة، والأعصاب متوترة، والوجوه عابسة مكفهرة، والأخلاق غائبة، والعنف ‏والشجار هما وسيلة التعبير والتواصل بين السائقين.‏

     في هذا الجو المشحون بالتوتر لا مكان ولا معنى للنظام عند الغالبية، فالكل يريد أن يكون السيد ‏المطاع، والجميع أسرى لنزعة الغضب والمسافة لديهم بين المثير والاستجابة معدومة، بل ربما ‏سبقت الاستجابة المثير، لقد أفل نجم الأخلاق وخسف قمرها.‏

     إنها أخلاق تحتضر يوم غاب التراحم والتغافر، وتلوثت البيئة بغبار التوتر والغضب، وتعاملنا ‏معها برؤية قاصرة محدودة تجعل منها مكملاً للحياة لا ركنا لها، يوم غابت عن الأذهان في ‏لحظات الغضب مفاهيم الإسلام الداعية إلى كل خلق حسن والناهية عن كل خلق رديء، تلك ‏المفاهيم الربانية التي تدعو إلى ضبط النفس عند الغضب، والصبر على الأذى ابتغاء وجه الله، ‏والإحسان إلى الآخرين ومحبة الخير لهم قال صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم‎ ‎إلي وأقربكم ‏مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا”.

     احتضرت الأخلاق يوم غفلنا عن تنميتها بالحلم، والعفو، والصفح، والحب، يوم ‏عجزنا عن ترويض أنفسنا وإلجامها بلجام التقوى لنرتقي بها في درجات الكمال، يوم غفلنا ‏عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال “ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد ‏الذي يملك نفسه عند الغضب”‏.

     اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا ‏سيئها إلا أنت. ‏

وقفة:‏

الغضب ريح تهب فتطفئ مصابيح العقل “روبرت انجرسول”‏

اترك تعليقاً