تأتي أيام العيد لتمثل للجمعيات الخيرية محطة استراحة مؤقتة بعد عناء متواصل طوال شهر رمضان المبارك، ازدادت وتيرته بشكل كبير جدا خلال العشر الأواخر من الشهر ليتوج ذلك بجهد غير عادي ليلة العيد من قبل العاملين في هذه الجمعيات، جهد تجاوز حدود المعقول، وتجاوز دائرة المكافآت والحوافز والبدلات إلى التلذذ باحتساب الأجر في السعي على الأرمل والمطلقات والمساكين رجاء ما عند الله سبحانه وتعالى حيث الرتبة العالية التي أخبر عنها رسول الله صل الله عليه وسلم في قوله (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر) .
لقد سطر العاملون بهذه الجمعيات ملحمة اجتماعية فريدة اتضحت معالمها في تلك الليلة المباركة ليلة العيد حينما عرضوا لأفراد المجتمع صورة حية من صور التكافل الاجتماعي التي حث عليها الإسلام ورغب فيها لتكتمل من خلالها سعادة المئات من الأسر الفقيرة لتستقبل العيد بنفوس مطمئنة وقلوب منشرحة وتشارك غيرها من أبناء المجتمع في الأفراح والمسرات.
لقد مثل العاملون بالجمعيات الخيرية في تلك الليلة صورة حية من صور الأخوة الإسلامية والانتماء الوطني عبر إيثارهم بذل أوقاتهم الثمينة ليلة العيد للسعي في مصالح فقراء المسلمين في الوقت الذي يتسابق الجميع مع عوائلهم للاستعداد للعيد.
ساعات متواصلة من العمل لاستقبال الآلاف من المتوافدين على هذه الجمعيات لتسليم زكاة فطرهم وتبرعاتهم المالية والعينية ليلة العيد، والمئات من الأسر الفقيرة التي توافدت بدورها على هذه الجمعيات لتحصيل ما قسم الله لها من الرزق في تلك الليلة.
لقد استطاعت هذه الجمعيات ومن خلال عمليات التنظيم الإداري والاستعدادات المسبقة أن تحقق نجاحاً باهراً في تنظيم هذه العملية الكبيرة التي جمعت بين كثرة المتوافدين وتنوع حاجاتهم مع تحدي ضيق الوقت وسرعته، مما زاد من ثقة المتبرعين والمستفيدين على حد سواء في هذه الجمعيات والقائمين عليها.
لقد شاهدت خلال وقوفي على سير العمل بأحد فروع جمعية البر بالرياض آثار الرضا على وجوه الكثير من المتبرعين الذين توقفوا أمام مراكز توزيع زكاة الفطر ليتمتعوا هم وأبنائهم بذلك المنظر المهيب حيث انتظمت عشرات السيارات في صفوف طويلة وبترتيب وتنظيم متقن عبر مسارات التوزيع المعدة مسبقا لتتمكن كل أسرة من الأسر المستفيدة من خدمات هذا الفرع من الحصول على نصيبها من زكاة الفطر وما ألحق بها من مواد غذائية متنوعة لاهثين بالدعاء لكل من ساهم في تخفيف معاناتهم من متبرعين وعاملين، كما شاهدت صورا من حسن البذل وحسن التعامل من قبل العاملين في هذا الفرع سواء مع المتبرعين أو المستفيدين.
إن ما شاهدته في هذا الفرع ليمثل جهدا متكرراً في جميع فروع جمعية البر بمدينة الرياض، كما يمثل جهدا لجميع الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تتوزع في مناطق ومحافظات هذه البلاد المباركة. إن من حقنا أن نفتخر بمثل هؤلاء الشباب الذين يسطرون كل عام صورا لهذه الملحمة الاجتماعية، إنهم تاج على رؤوسنا ومفخرة لنا، وحقهم علينا الدعاء والإشادة بهم وبأعمالهم وتكريمهم وشكر جهودهم المباركة فهم يمثلون الوجه الحقيقي لهذه البلاد المباركة، نسأل الله أن يبارك في جهودهم وجهود من خلفهم وأن يجعل ما قدموه من عمل في موازين أعمالهم الصالحة.