مصارف الأوقاف:
رابط الملف:
https://mega.nz/file/HBdS1QKC#sDuOTup8P_SvodiDTkvWru4Ft6-7SzMVoMzW8nHo73E
أولًا: المصارف لغة:
جمع مَصْرِف وهو اسم مكان من صرف يصرف صرفًا، ومن معاني الصرف في اللغة: الإنفاق، يقال: “صرفت المال أي أنفقته”([1])، “ويُقَالُ: (صَرَفْتُ) الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ. وَ (الْمُنْصَرَفُ) هو المكان والمصدر أيضا”([2])، وتصريف الآيات تبيينها، وفي الدراهم والبياعات إنفاقها”([3]). وَمَعْنَى الصَّرْفِ أَنَّهُ شَيْءٌ صُرِفَ إِلَى شَيْءٍ، كَأَنَّ الدِّينَارَ صُرِفَ إِلَى الدَّرَاهِمِ، أَيْ رُجِعَ إِلَيْهَا، إِذَا أَخَذْتَ بَدَلَهُ ([4]).
ثانيًا: المصارف اصطلاحًا:
يستعمل الفقهاء كلمة الصرف ويريدون بها: جهة صرف المال، ومحل انفاقه، يقول الحصكفي: ومصرف الجزية والخراج ([5])، ويقول الفقهاء: مصارف الزكاة ثمانية، ومصرف الزكاة هو مكان صرفها ([6])، وقيل: “المصارف جمع مصرف وهو مكان الصرف، أي: المكان الشرعي الذي تصرف إليه وفيه الأموال من زكوات واجبة، أو صدقات، أو فيء، أو غنيمة، أو وقف أو نحو ذلك”([7])
وبناء عليه فإن مصارف الوقف هي المصارف الشرعية وهي: الأماكن والجهات التي يُصرف لها ريع الوقف وثمرته ويلزم كونها جهات برِّ وقربة”([8])، وقيل هي: “المجالات والجهات التي تنتفع من الأصول الموقوفة تنفيذا لشرط الواقفين” ([9])
الواقف والمصارف:
تتجه مصارف الأوقاف وبشكل تلقائي إلى جميع أعمال الخير الدينية والدنيوية التي تساهم في تعظيم شعائر الله، وتحقيق مصالح العباد، وللواقف الحرية المطلقة في اختيار مصارف وقفه بأن يوجه ريع وقفه لجميع أعمال الخير دون تخصيص، أو أن يوجه ريع وقفه لمصارف محددة بالاسم أو الصفة.
شروط ومعايير اعتبار مصارف الوقف:
“اختلف الفقهاء في شروط ومعايير اعتبار المصرف الوقفي من عدمه إلى قولين رئيسيين هما:
القول الأول: يرى أن المصرف الوقفي يجب أن يكون جهة برّ وقُربة كالمساجد والقناطر وكتب العلم، وعليه فلا يجوز الوقف على مباح أو مكروه، ما لا يظهر فيه وجه قربة.
القول الثاني: يرى أنه لا يشترط أن يكون المصرف جهة برّ وقربة، لكن يشترط ألا يكون على معصية، فالوقف على الفسّاق والزنادقة ونحوهم وقف باطل لا يجوز، لكن الوقف على تعليم الشعر أو على المكروه لا إشكال فيه”([10]).
تتميز مصارف الأوقاف بالتالي:
- اتساع دائرة تأثيرها فليست كالزكاة محدودة بثمان بفئات معينة، فيمكن أن ينتفع من هذه المصارف أطياف المجتمع بكل فئاتهم الغني والفقير والمريض والصحيح والعالم والجاهل والصغير والكبير إلخ.
- شموليتها لجميع احتياجات المجتمع، الضرورية والحاجية والتحسينية.
- غير محددة بنسبة معينة كالزكاة التي حدد الإسلام مقدارها وحدودها وشروطها؛ فجميع الريع يمكن صرفه حسب شرط الواقف بعد حسم مخصصات صيانة ورعاية أصول الوقف ومصارفه التشغيلية.
- تنوعها حسب الظرف الاجتماعي فتختلف نوعيتها من مجتمع إلى آخر حسب طبيعة المجتمع واحتياجاته وأولوياته.
- متجددة ومتواكبة مع العصر وتطوراته ومتغيراته واحتياجاته.
- مستقلة: عن أموال الواقف وذريته غير خاضعة لتصرفاتهم ورغباتهم، ولا يمكن الحجز عليها.
- ديمومتها وعدم انقطاعها: فأموال الوقف وعوائده مستمرة غير منقطعة
- مرونتها: الأوقاف وإدارتها يمكنها أن تملك من المرونة الإدارية والاجتماعية مالا تملكه الإجراءات الرسمية وهذه المرونة هي ما تحتاجه برامج الرعاية الاجتماعية بشكل عام بعيداً عن الجمود الروتيني والأنظمة المقيدة.
- سهولة تنفيذها.
- اختلاف المصارف باختلاف البيئات، والأزمنة
- اختلافها باختلاف الأجر المترتب عليها، وأيضا باختلاف الحاجة اليها.
توزيع غلة الوقف على المصارف:
- حسب ترتيب الواقف.بالواو (للتشريك) أو ثم (للترتيب) : إن ذكر الواقف في صيغة وقفه أن توزيع الغلة على الترتيب
- حسب النسب المحددة من الواقف.
- حسب نظر الناظر.
مخرجات المصارف الوقفية:
- تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع.
- مساعدة المحتاجين وتخفيف وطأة الفقر عليهم، والارتقاء بمستوياتهم المعيشية والتعليمة والصحية.
- منع توريث الفقر بين الأجيال، من خلال العناية بالجيل الجديد من أبناء الفقراء بالتربية والتعليم والتدريب والتأهيل ليكونوا مؤهلين لكسب رزقهم واستغنائهم عن الأخرين.
- تحقيق قول الرسول e”مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى” متفق عليه
- ما تحققه مصارف الأوقاف من فوائد للمجتمع بكل فئاته تسهم في زيادة وعي المجتمع بأهمية الأوقاف ودورها التنموي، ولحاجة إلى وجودها وتوسعها.
- اتجاه أفراد المجتمع إلى الأوقاف يسهم في توسع ميدان العمل الخيري، ويحقق التنافس في الخيرات بين أفراده.
- تعزيز الجوانب الأخلاقية والسلوكية في المجتمع من خلال التضييق على منابع الفساد والانحراف.
- تعزيز قيمة الانتماء والولاء لدى أفراد المجتمع المسلم، وجعلهم أكثر استعدادًا للمشاركة الفعّالة في تبني هموم المجتمع واحتياجاته.
- تحقيق الأمن الاجتماعي والتخفيف من حدة آثار الفقر، والقضاء على سلوكيات التذمر والتحسر لدى الطبقات الفقيرة نتيجة حصولهم على حقهم من المتطلبات الحياتية الأساسية.
- القضاء على الصراعات الطبقية بين أفراد المجتمع، وتجسير العلاقة بين الأغنياء والفقراء.
عقبات تنفيذ المصارف الوقفية:
- عقبة الإدارة: ضعف إدارات الأوقاف وغياب القيادات ذات الخبرة والكفاءة، واتساع شروط الصرف ومعايير العطاء، وبطء اتخاذ القرار، ضعف الخبرة، والاجتهاد خارج النص بالتغيير في المصارف بما يخالف شرط الواقف، ضعف الغلة نتيجة سوء التدبير والاداة، غياب الحوكمة، والخ
- عقبة ضيق المصارف: اقتصار المصارف على مجالات معينة، عدم مواكبة المصارف لاحتياجات المجتمع الحقيقة،
- عقبة الرقابة: صعف الرقابة المالية والإدارة على بعض الأوقاف، عدم وجود محاسبة دقيقة لإدارات الأوقاف، عدم وجود آليات دقيقة لقياس وتقويم الأداء.
- عقبة قياس الأثر: عدم وجود آليات دقيقة لقياس الأثر
- عقبة المصاريف التشغيلية والإدارية: حي يؤدي ارتفاع هذه المصاريف إلى نقص كبير في الريع المخصص للمصارف مما يؤدي إلى تعطل هذه المصارف وعدم إمكانية استفادتها من الوقف.
- عقبة رعاية الأصول: ينتج عن ذلك انخفاض الريع، وإمكانية زوال الوقف.
- عقبة المبالغة في الاستثمار: توجيه الغلة للاستثمار والمبالغة في ذلك والدخول في استثمارات ذات مخاطر عالية.
تصنيف (أنواع) المصارف:
المتتبع للأوقاف منذ انطلاقها في عصر النبوة إلى وقتنا الحاضر يرى وبوضح ذلك التنوع العجيب في مصارف الأوقاف، حيث أبدع الواقفون في تحديد مصارف أوقافهم وفق احتياجات مجتمعاتهم، فجاءت هذه المصارف بأنواع لا عدّ لها حسب الزمان والمكان، وما زالت هذه المصارف في تطور وتجدّد متواكبة مع التطورات التي تمر بها المجتمعات الإسلامية، ويمكن تصنيف هذه المصارف ([11]) على سبيل المثال لا الحصر إلى:
يمكن تصنيف المصارف حسب الدافع إليها إلى:
النوع الأول: المصارف الأساسية المحققة لمصلحة الوقف:
رغم تعدد المصارف إلّا أن هناك مصارف محددة متكررة في كل الأوقاف، بعضها مُقدّم على كل مصارف الوقف باتفاق الفقهاء كمصرف عمارة الوقف ورعايته والمحافظة عليه ليبقى بصفته الأصلية أصلّا ثابتَا مُدِرًّا للمال، أو محققًا للمنفعة (مصرف إلزامي)، وبعضها جاءت أهميته من دوره في توليد المال وإن لم يكن مقدمًا على غيره من المصارف فهو أساس مهم لتوليد المال المتجه للمصارف ومن ذلك المصاريف الإدارية والتشغيلية للوقف إن احتاج لذلك كما في الأوقاف الكبيرة متعددة الأصول (مصرف حاجي)، وبعضها جاءت أهميته من دوره في استمرار نمو الوقف وتعظيم الغلة والمنفعة ومن ذلك المبالغ المخصصة من قِبَل الواقف للزيادة في أصل الوقف أو إنشاء أوقاف جديدة وضمها للوقف الأول (مصرف نمائي).
النوع الثاني: المصارف المرتبطة بآيات وأحاديث صريحة مباشرة في فضلها:
جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في مواضع كثيرة بتسمية مصارف منوعة وبيان فضلها، ومنها على سبيل المثال:
أولًا: الآيات القرنية:
- قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ البقرة: 177.
- وقوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ الإنسان: 8 – 12.
- وقوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ البلد: 14
- وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الصف: 10 – 13.
- وقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء: 95.
ثانيًا: الأحاديث النبوية:
- عن عثمان بن عفان يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجدًا -قال بُكير: حسبت أنه قال- يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة. متفق عليه: رواه البخاري 450، ومسلم 533.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا علمه ونشره وولدًا صالحًا تركه ومصحفًا ورثه أو مسجدًا بناه أو بيتًا لابن السبيل بناه أو نهرًا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته. صحيح: رواه ابن ماجة 240، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2231.
- عن سَهْل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا وكافلُ اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا. صحيح: رواه البخاري 5304.
- عن صفوان بن سُليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل. متفق عليه: رواه البخاري 6006، ومسلم 2982.
- عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرَفت ومَن لم تعرف. أخرجه البخاري رقم 12، ومسلم رقم39.
- عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا. أخرجه أحمد 4/ 114، والترمذي 3/ 533، وابن ماجه 1746.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ قال: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ. صحيح البخاري برقم 26، وصحيح مسلم برقم 83.
النوع الثالث: المصارف المرتبط فضلها بآيات وأحاديث عامة غير مباشرة:
جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في مواضع كثيرة ببيان فضل الانفاق في سبيل الله، والأمر به، ومنها على سبيل المثال:
أولًا: الآيات القرآنية:
- قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ البقرة: 254.
- وقوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة: 261، 262.
- وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ البقرة: 267.
- وقوله تعالى: ﴿آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ الحديد: 7.
- وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ سبأ: 39.
ثانيًا: الأحاديث النبوية:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: أنفق أُنفق عليك وقال: يد الله ملأى لا تغيضها نفقةٌ سحاء الليل والنهار وقال: أرأيتم ما أنفق مُنذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع. متفق عليه: رواه البخاري 4684، ومسلم 993.
- عن أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة. متفق عليه: رواه البخاري 55، ومسلم 1002.
- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي ثم قال: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك. متفق عليه: رواه البخاري 1296، ومسلم 1628.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا. متفق عليه: رواه البخاري 1442، ومسلم 1010.
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا حسد إلا على اثنتين: رجلٌ آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل، ورجلٌ أعطاه الله مالًا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار. متفق عليه: رواه البخاري 5025، ومسلم 815.
- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يُغنه الله. متفق عليه: رواه البخاري 1428، ومسلم 1034.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل. رواه البخاري 1344، ومسلم 1014.
ويمكن تصنيف مصارف الأوقاف على حسب المقاصد ([12]) التشريعية للوقف ([13])، حسب التالي:
- المقاصد الضرورية: وهي المصالح التي تتوقف عليها حياة الناس وقيام المجتمع واستقراره بحيث إذا فاتت اختل نظام الحياة وساد الناس هرج ومرج، وعمت أمورهم الفوضـى والاضـطراب ولحقهم الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة وهذه الضروريات هي: الدين، والـنفس، والعقل، والنسل، والمال وهذه المصالح راعتها الشرائع جميعاً، والشريعة الإسـلامية وهي خاتمة الشرائع راعتها على أتم وجوه الرعاية ([14]).
- المصارف المتعلقة بحفظ الدين ([15]): ومنها: بناء المساجد، الحج والعمرة، الجهاد في سبيل الله، المصاحف، السلاح، المكتبات، الكتب، الدعوة، تعليم القران إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ النفس: ومنها: الإطعام، السقيا، المستشفيات، الأدوية إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ العقل: ومنها: التعليم، المكتبات، المدارس، الجامعات، مكافحة المخدرات إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ النسل: ومنها: الزواج، الانجاب، مستشفيات الولادة، عيادات علاج العقم إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ المال: ومنها: البنوك الإسلامية، شركات الاستثمار، القرض الحسن، محاربة الربا إلخ.
- المقاصد الحاجية: “وقد تكون الأوقاف حاجية لأجل تحقيق المصالح الحاجية في التوسعة والتيسير ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة بفوت المطلوب ([16]). تتناول المقاصد الحاجية حفظ الكليات الخمس ذاتها أي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، لكن بمرتبة أقل من الضرورية.
- المصارف المتعلقة بحفظ الدين: ومنها: إصلاح المساجد وتعيين الأئمة والمؤذنين إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ النفس: ومنها: الرعاية الصحية، تجهيز المستشفيات، رواتب الأطباء والممرضين، مصانع الأدوية، السكن الخيري
- المصارف المتعلقة بحفظ العقل: ومنها: المنح والبعثات الدراسية، دعم البحوث والدراسات، كراسي الجامعات إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ النسل: ومنها: رعاية الايتام، الحماية من العنف، قاعات الأفراح إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ المال: ومنها: توفير فرص عمل، دعم المشاريع الصغيرة، توفير البذور للمزارعين، الأسمدة، الأسر المنتجة إلخ.
- المقاصد التحسينية: “وقد تكون الأوقاف من التحسينات التي هي محاسـن زائـدة على أصل المصالح الضرورية والحاجية وكلها ترجع إلى مكارم الأخلاق([17])، إذ أن عـدم وجودهـا لا يُخلّ بالضروريات الكلية ولا الحاجية، وإنما تأتي على زيادة في التحسين والتزيين”، وهي تتناول حفظ الكليات الخمس الدين والنفس والعقل والنسل والمال بجلب معاني التزيين والجمال لها.
- المصارف المتعلقة بحفظ الدين: ومنها: تزيين المساجد، وفرشها وتطييبها إلخ، صناعة سجاد الصلاة إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ النفس: ومنها: تأثيث المساكن، إنشاء الحدائق، وسائل الترفيه عن المرضى، المختبرات الطبية، الحلي وأدوات الزينة، وأنوع الطيب إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ العقل: ومنها: الترجمة، التبادل الثقافي، المسابقات المفيدة إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ النسل: ومنها: حفلات الزواج، تطهير الأطفال، هدايا المتزوجين إلخ.
- المصارف المتعلقة بحفظ المال: تشجيع التجارة، الشتلات الزراعية، تنمية المناطق التوعية المالية إلخ.
ويمكن تصنيف مصارف الأوقاف حسب التصنيفات المعاصرة إلى المجموعات التالية:
- مصارف الوقف العامة (خاصة): صيانة الوقف ورعايته والمحافظة عليه، مكافأة النظار، المصاريف الإدارية والتشغيلية، مصارف الموقف.
- مصارف الوقف العامة (ذرية): الأبناء والبنات والأحفاد.
- مصارف الوقف العامة (دينية): المساجد، القرآن، السنة النبوية، الحج، العمرة، تفطير الصوام.
- مصارف الوقف العامة (دعوية): الدعوة الإلكترونية، المراكز إسلامية، كفالة الدعاة، دعوة الجاليات.
- مصارف الوقف العامة (اجتماعية): الفقراء والمساكين، مراكز الإطعام، رعاية المسنين والعجزة، رعاية المساجين، التزويج، رعاية المشردين، ابن السبيل، مغاسل الموتى، المعسرين، المساكن والأربطة، مراكز الإصلاح، مراكز الاستشارات.
- مصارف الوقف العامة (علمية): الدورات العلمية، طباعة الكتب، الدراسات والأبحاث، كفالة طلاب العلم.
- مصارف الوقف العامة (صحية): المستشفيات، المراكز طبية، الأدوية، مدارس الطب والتمريض، العيادات الخيرية، علاج المرضى، البحوث الطبية، الصحة الوقائية، مكافحة المخدرات والتدخين، مراكز الغسيل.
- مصارف الوقف العامة (اعلامية): القنوات الفضائية، الصحف والمجلات، البرامج التلفزيونية، مواقع الانترنت، برامج التواصل الاجتماعي، البرامج الإذاعية.
- مصارف الوقف العامة (اغاثية): اللاجئين، الحروب والنزاعات، الامطار والفيضانات.
- مصارف الوقف العامة (ثقافية): الديوانيات الثقافية، المراكز الثقافية، الكتب، البرامج الثقافية، التراث.
- مصارف الوقف العامة (تعليمية): المدارس، الجامعات، المعاهد، البحوث العلمية، المكتبات، المنح التعليمية، محو الأمية،
- مصارف الوقف العامة (بيئية): المراعي، النظافة العامة للشوارع والأمكنة، التدوير، التشجير، محاربة الآفات،
- مصارف الوقف العامة (تقنية): تصميم المواقع الإلكترونية، تطبيقات الجوال، البرامج الحاسوبية، البرمجة، مراكز التدريب التقني.
- مصارف الوقف العامة (اقتصادية): قروض، توظيف، بطالة، التدريب والتأهيل المهني.
- مصارف الوقف العامة (خدمية): الطرق، الجسور، الماء، الكهرباء، الصرف الصحي، تنقية المياه، حفر الآبار، دور الضيافة، وسائل النقل.
- مصارف الوقف العامة (طارئة): الكوارث الطبيعية، الأوبئة، الكوارث المناخية، الجفاف.
معايير أولويات الصرف:
رغم تباين الأجر بين المصارف إلّا أن هناك محددات أخرى للأجر يتقدم فيها المفضول على الفاضل ولذلك يأتي النص في الكثير من وثائق الأوقاف على أن يصرف ريع الوقف على أعمال الخير التي يرى النظار أنها أنفع للمُوقِف وأعظم مصلحة للمسلمين، ويمكن تحديد بعض المعايير التي تُوجّه صرف الريع والتي على أساسها قد يقدم مصرف مفضول على مصرف فاضل ([18]).
- شدة الحاجة: والحاجات تختلف باختلاف الأزمان والأمكنة والأشخاص.
- النفع للموقف.
- الأعظم مصلحة للمسلمين.
- الأقرب نسبًا أو مكانًا.
[1] – الفيومي، أحمد بن محمد بن علي (ب،ت)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية – بيروت، مادة ص ر ف، ج1، ص 338.
[2] – الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر(1425ه) ، مختار الصحاح، تحقيق يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت، صيدا، الطبعة الخامسة ، ص 175.
[3] – الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب (1426ه)، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة الثامنة ص 827.
[4] – ابن فارس، أحمد (١٩٧٩ م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، مادة صرف، ج ٣، ص 343.
[5] – الحصكفي، محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الحنفي (1423ه)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، تحقيق: عبد المنعم خليل إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ص 343.
[6] – الازهرى صالح عبدالسميع (1439ه) ، جواهر الاكليل شرح مختصر العلامة خليل، المكتبة الثقافية، بيروت، ، ج 1/ ص 140.
[7] – الجاسر، سليمان بن جاسر الجاسر (1435ه)، مصارف الوقف في القديم والحديث، مدار الوطن للنشر، ص 7.
[8] – الجاسر، سليمان بن جاسر الجاسر (1435ه)، مصارف الوقف في القديم والحديث، مدار الوطن للنشر، ص 7.
[9] – دوابة، أشرف (2012م)، الأسس الشرعية والاقتصادية للمصارف الوقفية، (ورقة بحث مقدمة لمؤتمر دبي٢٠١٢ م). ص ٤. نقلًا عن: العبيد، آلاء عادل (2016م)، معايير تحديد المصارف الوقفية، مجلة الدراسات الإسلامية والبحوث الأكاديمية، م 11، ع 69، ص 23-24.
[10] – الأشقر، أسامة عمر سليمان (2018م)، مصرف الفقراء والأغنياء الوقفي، مجلة الجمعية الفقهية السعودية، جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، ع 44، ص 262.
[11] – ربما يشترك مصرف معين تحت أكثر من تصنيف، ومع ذلك يتم وضعه تحت التصنيف الذي يراه الباحث الأقرب للمصرف.
[12] – ”المقاصد هي المعاني والحِكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عمومًا وخصوصًا، من أجل تحقيق مصالح العباد”. ينظر: احميدان، زياد محمد (1425ه)، مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤسسة ناشرون، ط 1، ص 17. نقلًا عن: معاشي، عبدالرحمن (1426ه)، البعد المقاصدي للوقف في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، جامعة الحاج خضر، كلية العلوم الاجتماعية، الجزائر، ص 16.
[13] – البعد المقاصدي للوقف هو: مجموعة الآثار البعيدة والقريبة والأهداف والغايات والمعاني والأسرار المتعددة والمختلفة والمتكاملة التي راعاها الشارع في تشريعه للوقف، ومدى تدخل المصلحة على أحكامه وتأثيرها فيه، بما يجسد تلك الأغراض وتلك الأهداف في الواقع، وبما يعود على الوقف بالنماء والزيادة. ينظر: معاشي، عبدالرحمن (1426ه)، البعد المقاصدي للوقف في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، جامعة الحاج خضر، كلية العلوم الاجتماعية، الجزائر، ص 26.
[14] – الفتوحي، محمد بن أحمد (1408ه)، شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، المملكة العربية السعودية العربية السعودية، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، ط 1، ج 4، ص 159. نقلًا عن: اليوسف، انتصار عبدالجبار مصطفى (2007م)، المقاصد التشريعية للأوقاف الإسلامية، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، ص 10.
[15] – وقد حافظت هذه الأوقاف على الدين من جانبين: من جانب الوجود فساعدت على نشر الدين، وإبقائه على سبيل الدوام، وزرع العقيدة السليمة في النفوس، وغرس الأخلاق التي دعا إليها الإسلام. ومن جانب العدم فالوقف على المساجد منع أي وسيلة من شأنها أن تفسد اعتقاد المسلم بدينه. ينظر: اليماني، فضل يسلم (ب، ت)، الوسائل الواقية من الافلاس في الفقه الاسلامي والقانوني، دار البشير للثقافة والعلوم، ص 480.
[16] – اليوسف، انتصار عبدالجبار مصطفى (2007م)، المقاصد التشريعية للأوقاف الإسلامية، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، ص 90.
[17] – اليوسف، انتصار عبدالجبار مصطفى (2007م)، المقاصد التشريعية للأوقاف الإسلامية، مرجع سابق، ص 96.
[18] – الأعمال لها مراتب بعضها أفضل من بعض لكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.