قابلته في أحد المطاعم وهو يمارس عمله اليومي كنادل بهذا المطعم، أعجبت به كونه يمارس عملاً مشروعاً يسترزق من خلاله وعندما سألته عن مؤهله الدراسي تنهد وأخرج زفرة حادة من أعماق قلبه، زفرة هيجت مشاعر مكبوتة أفصحت عن هموم مكبوتة، استرجع من خلالها سنوات من الرسوب المتكرر انتهت بتسليمه بالأمر الواقع وانسحابه من المدرسة معلنا هزيمته أمام خصم عنيد وقف حائلاً بينه وبين مواصلة التعليم، قال وهو غارق في سجل الذكريات إنها الرياضيات تلك المادة التي وقفت عقبة كؤود في طريق تحصيله العلمي وتسربه من المرحلة الثانوية ليحيا بقية حياته بشهادة المرحلة المتوسطة، ثلاث سنوات قضاها في صراع مع هذه المادة ليعلن في النهاية هزيمته أمامها وأمام نظام تعليمي مقولب لم يستطع أن يتكيف مع قدراته مثل هذا الشاب، ذكرني هذا الموقف بشاب آخر أضاع من عمره أربع سنوات في السنة الثالثة ثانوي في صراع مع مادة اللغة الانجليزية ليتمكن بعدها وبشق الأنفس من تجاوزها ، وها هو الآن يعمل مرشدا طلابيا متميزا في إحدى المدارس الثانوية، ولولا توفيق الله ثم إصراره واستماتته لأعلن انسحابه من حلبة الصراع مهزوما لتفقد الأمة قيادة تربوية متميزة بسبب عدم قدرة النظام التعليمي على التعامل مع ذلك الاختلاف الطبيعي بين الطلاب في القدرات والمهارات .
لقد ساهم النظام التعليمي المقولب في فقد أعداد كبيرة من التلاميذ الذين كانوا ضحية لهذا النظام رغم امتلاكهم لقدرات ومهارات تمكنهم من شق طريقهم ووصولهم إلى مراتب تعليمة عليا وأصبح هذا النوع من الفشل الدراسي يشكل مصدر قلق كبير عند المربين والمسؤولين فضلا عن التلاميذ و أوليائهم نظرا لانعكاساته السلبية على المستوى الاجتماعي والنفسي والاقتصادي والأمني، كما ساهم في رفع نسبة البطالة بين الشباب السعودي بشكل ينذر بالخطر إذا لم تُتدارك الأمور، وهذا ما دفع بالغيورين على مستقبل التعليم إلى المناداة بضرورة اتخاذ التدابير التي من شانها الحد من تفاقم الوضع وتفشي هذه الظاهرة والبحث عن السبل و الاستراتيجيات التي تمكن التلاميذ من ممارسة عملية التعلم بسهولة ويسر وفق قدراتهم الاستيعابية، وتمكن النظام التعليمي من الاحتفاظ بكافة الملتحقين به ودعمهم للوصول إلى أعلى المستويات التعليمية ليتمكن الوطن من الإفادة من قدراتهم وليفتح المجال لهم للمساهمة في عملية البناء والتنمية، وتقع مسؤولية علاج مثل هذا الوضع في المقام الأول على وزارة التربية والتعليم والتي يجب أن تتحمل مسؤوليتها كاملة وأن تسعى جاهدة إلى الإفادة مما لديها من خبرات تربوية لعلاج هذا الوضع الخطير في النظام التعليمي، وأن تستعين في ذلك بالجامعات و مراكز البحوث والدراسات لتتمكن من صياغة نظام تعليمي لديه من المرونة ما يمكنه من التكيف مع احتياجات التلاميذ واختلاف قدراتهم ومهاراتهم لتقضي على هذا الهدر التعليمي ولتعطي للجميع الحق في التعليم والنجاح ليساهموا في صنع مستقبل مشرق لهم ولوطنهم.