سؤال يطرح أحياناً حول المواطنة هل هي التزام أم إلزام، هل هي قول أم عمل هل هي ادعاء أم حقيقة، وتتأكد الحاجة إلى تجلية هذا الموضوع مع كثرة المتشدقين بالمواطنة والمزايدين عليها وهم قد يكونون أبعد الناس عن تحقيق مقتضياتها، فالمواطنة مسؤولية كبيرة ولها مقتضيات والتزامات يبين من خلالها مستوى مصداقية مدعيها من عدمها، ولو كانت المواطنة قولاً باللسان لسهل الأمر ولأدعى الجميع وصلاً بها، ولكن الحقيقة تتكشف عندما تأتي الفعال، فأين هي مواطنة ذلك التاجر الذي نهل من خيرات هذه البلاد وكان من أبخل الناس عليها، فمراجعة سجل من نهلوا من خيرات هذه البلاد وما تحملوه من مسؤولية اجتماعية ساهموا من خلالها في معركة التنمية تكشف لنا حقيقة هذا الإدعاء من زيفه، فرغم وجود فئة من تجار هذه البلاد وعوا مسؤوليتهم الاجتماعية وساهموا في خدمة هذه البلاد من خلال مشاريع تنموية خيرية إلا أن هناك وللأسف فئة منهم ما زالوا خارج السرب قصرت بهم نخوتهم ووطنيهم وغلبهم الشح والبخل وفرطوا فيما عند الله خوفاً على أموالهم من النقص والتلف وتناسوا أنه ما نقص مال من صدقة وأن الله يخلف المال المنفق، وأين هي مواطنة ذلك المسؤول أو الموظف الذي اتخذ من وظيفته سلماً لتحقيق مآربه الشخصية ونسى أن هذه الوظيفية مسؤولية عظيمة أؤتمن عليها من قبل ولي الأمر لخدمة الآخرين وتسيير أمورهم فيطبق ذلك قولا ويتناسه فعلاً فإذا ما تصادمت مصالحة مع حاجات الآخرين قدم مصالحة وأهمل مسؤوليته وتناسى أنه مسؤول عنها أمام الله ومحاسب عليها، وأين هي مواطنة ذلك الكاتب الذي جعل من قلمه سهماً يطعن به في خاطر وطنه وأمته من خلال زرعه للفتنة بدل الوحدة وسعيه للفرقة بدل الاجتماع فأصبح معول هدم يحرك من خلف الستار يطنطن بالمواطنة ويتغزل بها فإذا ما خلا إلى شياطينه قال إنما نحن معكم إنما نحن مستهزئون، أين هي المواطنة من أولئك السواح الذين ما يلبثوا أن يغادروا أرض هذا الوطن إلا ويتحولون إلى شخصيات أخرى تسئ إلى سمعة وطنهم وترسم صورة مشوهة لمجتمعهم لدى الآخرين غير عابئين بما يترتب على ذلك من إساءة أو ضرر لوطنهم ومجتمعهم. المواطنة الحقيقية ثقافة متأصلة في النفوس نرضعها من ثدي هذا الوطن وهي التزام شرعي وأدبي، وهي متجذرة في نفوس الصادقين من أبناء هذا الوطن لا تتزحزح ولا تتلاشى بل هي جزء من شخصياتهم وكينونتهم، المواطنة الحقيقية لا يحدها زمانٌ ولا مكان فأينما كان المواطن في تسير معه كنفسه في السر والعلن داخل دولته أو خارجها، المواطنة الحقيقية تَبني ولا تهدِم تَرفعُ ولا تخفِض، شموخٌ وعزةٌ لا ذلٌ وانكسارٌ، بَذلٌ وعَطاءٌ لا شح وإمساك، تلك هي المواطنة وما سواها ادعاء وزيف.