تعتبر الأوقاف الخيرية مظهرا من مظاهر التراحم والترابط داخل المجتمع المسلم وقد ساهمت هذه الأوقاف وعبر مئات السنين في تحقيق التوازن الاجتماعي داخل المجتمع المسلم، وهي أحد منافذ الخير التي شرعها الإسلام لأهل الخير كما أنها أحد وسائل التنمية للمجتمعات إذا أحسن استغلالها واستثمرت في مصارفها الحقيقية، وهي مصدر مهم لحيوية المجتمع وفاعليته وتجسيد حي لقيم التكافل الاجتماعي ووعي الفرد بمسؤولياته الاجتماعية وزيادة إحساسه بقضايا إخوانه المسلمين. وقد شُرِعَتْ الأوقاف ليكون ريعها صدقةً جارية لا تنقطع تدر الثواب المتصل على الوَاقِفِين، وعملاً صالحاً يدر الخير الوافر على المحتاجين والمستحقين.
وعلى الرغم من أن الأوقاف تعتبر من أكثر القضايا تعقيداً وتشابكاً لتفرعاتها الكثيرة وتدنى مستوى ثقافتها لدى الأفراد، إلا أنها كغيرها من القضايا قابلة للدراسة والتطوير بشكل يجعلها متوائمةً مع العصر الحالي ومتطلباته ويساهم في إعادة أثرها الفعال في التنمية الاجتماعية الشاملة.
ونظرا لتوجه أهل الخير في السنوات الأخيرة نحو إيقاف جزء من أموالهم لوجه الله تعالى وحدوث حراك اجتماعي خيري من قبل الإدارات المشرفة على هذه الأوقاف ورغبة في دعم مسيرة الوقف الخيري لتحقيق الرسالة التي شرع من أجلها نقترح ما يلي:
1.إنشاء مكاتب استشارية في المحاكم لتقديم الاستشارات للمُوقِفِين بشكل يضمن لهم حسن صياغة صكوك الأوقاف صياغة تحقق سلامة للوقف وضمان استمراره وفاعليته وخاصة في المسائل الشائكة التي يحدث فيها الخلاف بين النظار مما يعطل مصالح الوقف ويعيق استمرار عطاءه، والمتتبع للكثير من الأوقاف التي تعطلت منافعها أو ضعفت فاعليتها يجد وبكل وضوح أن السبب الرئيس في حدوث ذلك يعود إلى سوء صياغة صك الوقف وذلك لقلة المختصين في ذلك ولاعتماد الكثير من الواقِفِين على نصوص وقفية صيغة بشكل مجمل أو فصلت لأوقاف خاصة في أزمنة محددة، و من المعلوم أن صياغة صكوك الأوقاف وإن اتفقت في بعض الكليات العامة إلا أنها تختلف في الكثير من الجزئيات حسب طبيعة الوقف ونوعية أعيانه ومصارفه ونظاره وصلاحياتهم ورغبات الوَاقفِين وبالتالي فإن الاعتماد على قالب واحد لكل الأوقاف من شأنه أن يحدث خللاً في هذه الأوقاف وهذا ما يؤكد على ضرورة وجود مكاتب استشارية تخضع من خلالها صكوك الأوقاف إلى مراجعات متأنية من خبراء شرعيين وقانونيين واقتصاديين يقدمون خدماتهم للواقفين و يضعون لكل وقف صيغته التي تحقق مراد الواقف وتحمي الوقف وتُعين النظار على حسن إدارته.
2.تسهيل الإجراءات المتعلقة بالاستثمار وخاصة في مجال العقار، فشراء العقار أو بيعه مرتبط بفُرصٍ خَاطِفة وبالتالي فإن ربط البيع أو الشراء بالأنظمة المتبعة حاليا والتي تتطلب موافقة الحاكم الشرعي (القاضي) ورأي لجان النظر وما تتطلبه من وقت تفوتُ معه فرصٌ استثمارية قد لا تتكرر، ولذا فإن الأجهزة المعنية مطالبة بتسهيل إجراءات البيع والشراء بشكل يضمن سلامة الوقف واستغلال الفرص الاستثمارية ويمكن أن يتم ذلك من خلال تعيين مكاتب أو مؤسسات عقارية معروفة بالخبرة والنزاهة تكون مرجعية في عملية تقييم الأسعار في قضايا البيع والشراء بطريقة سريعة ومضمونة وفق ضوابط وأطر محددة مسبقاً تكون كفيلة بضمان وضبط عمليات التقييم .ويندرج تحت هذا العنصر تسهيل الإجراءات الإدارية في موضوع إزالة الوقف إذا انقضى عمره الافتراضي واستبداله ببناء أكثر حداثة وأوفر دخلاً ، أو في بيع الأوقاف الصغيرة ودمجها في وقف واحد يحقق إيراداً أكثر من إيرادها حال كونها متفرقة.
3. دراسة المشاكل القانونية والشرعية التي تعترض كثيرا من إدارات الأوقاف وتقديم حلول علمية ميسرة لها، فرغم وجود كم هائل من الأبحاث والدراسات والكتب التي ناقشت قضايا الأوقاف ومتعلقاتها إلا أن هناك قضايا معاصرة لم تتطرق لها تلك البحوث والدراسات ساهمت في تعطيل مصالح هذه الأوقاف وتقليل فاعليتها وهذا يتطلب قيام الجهات المسؤولة وخاصة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بحصر القضايا الشائكة الموجودة والمتوقعة ومن ثم تقديم الرأي حيالها عبر دراسات علمية موثقة تضمن سلامة الأوقاف وتحمي ذمم نظارها.
4. مما يعيق الأوقاف الخيرية غياب المرجعية الرسمية لها والتي يمكن من خلالها تسيير أمور هذه الأوقاف وخاصة ذات الصلة بالجهات الحكومية والبنوك ففتح الحسابات واستقدام العمالة والتأمينان الاجتماعية وغيرها تتطلب دوما أرقام التسجيل الرسمية للإدارة المعنية ويمكن حل هذه الإشكال بأن تتولى وزارة التجارة إعطاء سجلات تجارية لهذه الأوقاف الخيرية.